آليات المجتمع  ..... في صناعة البنات وإنتاج الأمهات
د. نهلة أحمد درويش       
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع  
3/4/2012
الأم مدرسة إذا اعددتها اعدت شعب طيب الأعرق  
 بيت شعر شهير لأمير الشعراء أحمد شوقي.. بيت تضمن إلقاء الضوء على مهمة عظيمة وصعبة للغاية.. ألا وهي مهمة إعداد الأم.. ربما لا يوجد مؤسسة رسمية لإعداد الأمهات.. حيث أن المؤسسة الوحيدة المنوطة بهذه المهمة هي المؤسسة الاجتماعية التي تتجسد في نواة الأسرة ....
ولعل هناك أسر كثيرة لا تنتبه إلى عظمة وثقل هذه المهمة ... وربما لا تدرك الأسرة أنها تقوم بهذه المهمة، فهي تقوم بها بلا وعي أو علم بأنها تصنع وتنتج أباء وأمهات المستقبل،
 بل تؤديها بطريقة بديهية تقليدية خلال عملية التربية..
 وعدم دراية الأسرة بأهمية المهمة قد يؤدى في الأحيان إلى إنتاج يشوبه بعض العيوب النفسية غير متوازن العواطف الوجدانية. حيث نجد أن الطفل الذي يحرم من عطف أمه أو يعامل معاملة قاسية من والديه بشكل عام يكون طفل يمكن أن يعاني من بعض المشاكل النفسية..
تلازمه التعاسة في كثير من أوقات حياته، يعاني كثير من الاضطرابات، غير متصالح مع نفسه، غير راض عن واقعه..
كل هذه المشاكل وغيرها كثير تنتج عن أسلوب تربية غير واعً من قبل أم لم يتم إعدادها الإعداد الجيد للقيام بمهمة الأمومة..
ومن المعروف أن الأمومة غريزة فطرية أودعها الخالق عز وجل في جميع الكائنات.. الإنسان، الحيوانات، الطيور..
 نعجب ونتأمل عندما نشاهد قطة ترعى وليدها..
ونردد سبحان الله
ولكن في الوقت الحاضر ومع تغيرات العصر المتلاحقة تغير دور الأسرة وعملية التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها نتيجة مجموعة كبيرة من المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتغير الاهتمامات لدى القائمين بالأدوار في مؤسسة الأسرة.. فلقد ازدادت الإثقال والأعباء الملقاة على كاهل كلاً من الأب والأم.. واختلفت أساليب التربية للأبناء بصفة عامة وإعداد البنت لتكون أماً بصفة خاصة.. 
كذلك اختلفت آليات وثقافة المجتمع في إنتاج البنات وصناعة الأمهات. بدء من مؤسسة الأسرة حتى المؤسسات الاجتماعية الأخرى والتشريعات والقوانين المؤيدة لحقوق المرأة والكافلة لرعاية الطفولة..
فهناك أسرة تضع البنت ضمن حدود معينة لا يجوز اختراقها، وبالطبع تختلف هذه الحدود باختلاف التقاليد والأعراف والمرجعية الثقافية لكل أسرة ووفقا للطبقة التي تنتمي إليها الأسرة.. تربى البنت في الصغر وفق قانون العيب.. العيب الخاص بالأنثى فقط دون الذكر.. وعندما تكبر البنت وتصبح فتاة تشجعها الأم على تعلم مهارات اصتياد "زوج".. حيث يغرس في عقلية البنت أن مستقبلها سيكون في "بيت العدل".. وإذا ما تزوجت البنت تقوم الأم بتغذية عقلها ببعض الأفكار عن ضرورة سرعة الإنجاب وكثرة الأطفال لتكبيل الزوج وإثقاله بالمطالب والنفقات المالية.. هذا النموذج قد يستمر في الحياة وإنتاج أسر أخرى على نفس المنهاج، وقد لا يستمر ويكون النتيجة انفصال الزوجين وتفكك الأسرة.
نموذج سلبي أخر لصناعة البنات، وهو الزواج الإجباري، أي تزويج البنت من شخص ما دون رغبتها.. يحدث هذا بسبب أما الحصول على المادة، أو بهدف نقل عبء تحمل مسئولية البنت إلى شخص آخر.. هذا النموذج من الممكن أيضاً أن يستمر وينتج أطفالاً أو يمكن أن تنتهي الأسرة بالتفكك.
نصل هنا إلى مشكلة أخرى تؤثر بشكل سلبي على إمكانيات الصناعة الجيدة للأمهات.. إلا وهي مشكلة هجرة الزوج للأسرة.. وحيث يعمد الزوج التخلي عن مسئوليته للإنفاق على أسرته ورعاية أطفاله أما لأنه قرر الزواج بأخرى، أو بسبب اضطراره للعمل بمكان أخر وهنا قد ينشغل بتكون حياة أخرى.. في كل الأحوال تضطر الأم لحمل المسئولية وتربية الأطفال.. ولكن هل آليات المجتمع تساند مثل هذه الأمهات من حيث تأمين مصدر رزق كريم حتى يمكن تربية هؤلاء الأطفال، أو من حيث سن قوانين صارمة تلزم الإباء للإنفاق على الأبناء.
بالتأكيد هناك محكمة الأسرة التي توالي إجراءاتها في هذا المجال.. ولكن أحياناً يتم التحايل على الأحكام التي تصدر بشأن الفصل في حالات معينة. وربما آلية محكمة الأسرة غير كافية لدعم مهمة الأمهات في تربية الأبناء.. ولعلنا نكون بحاجة فعلية لوجود هيئة أو مؤسسة تهتم بشئون الأسرة ووجود أخصائيين لمعالجة المشاكل الأسرية، أو لتقديم المشورة والخبرة القائمة على أساس علمي .... 
ولكن يبدوا أن هناك تقصير في آليات المجتمع التي تهتم بتوعية وتثقيف المرأة الأم بأسس الصحة الإنجابية وبأهمية الرضاعة الطبيعية وبكيفية رعاية الطفل.. صحياً وتربوياً وثقافياً ووجدانياً.. فنحن نفتقر لوجود هيئة أو مؤسسة رسمية تهتم بمتابعة شئون الطفل وحقوقه الواجبة داخل أسرته ومجتمعه.. فمن المؤكد أنه إذا ما تم تفعيل قوانين حماية ورعاية الطفل فأنه سيتم المساهمة فعلياً في الحد من ظاهرة إهمال الأطفال وظاهرة العنف ضدهم، وفي الحد من ظاهرة أطفال الشوارع.. ففي ظل القوانين الصارمة المفعلة سيفكر كل أب وأم قبل إنجاب أي طفل، حيث ستلزمه هذه القوانين برعاية طفله رعاية جيدة. ويحتاج هذا بالتأكيد إلى تنمية وعي ثقافي معين، وعي يؤمن بأهمية الطفل وقيمته، بأهمية كفل حقوقه كاملة.. حتى بين الطبقات البسيطة يجب أن ينشر هذا الوعي.. وكلً حسب ظروفه وإمكانياته المادية. حتى في ظل تعاليم ديننا الحنيف يتم حثنا على حسن رعاية أطفالنا الرعاية الكاملة.
ولعل كثير من الأمهات تجهل المعرفة بالقراءة والكتابة، مما يجعلها تفتقر لكثير من المهارات التي يتطلبها العصر.. وهنا أيضاً نجد أن آليات المجتمع قد تعاني من الضعف ولا توجه اهتمام بالقدر الذي يتناسب مع حجم المشكلة من حيث ارتفاع نسبة الأمية بين الأناث.
وجه آخر من القصور في آليات المجتمع
يتمثل في عدم تقديم الدعم والمساندة للأمهات / المرأة التي تعاني من مشاكل صحية (كسرطان الثدي وغيره) ...
أو تقديم الدعم لأمهات أطفال يعانون من مشاكل صحية مزمنة
 ( أطفال التوحد ، الطفل المنغولي ، الشلل الدماغي ،
 التأخر الذهني، مرضى القلب
 وغيرها من الأمراض المزمنة)..
 فالأم هي التي تتحمل وحدها عبء المناضلة لدعم طفلها المصاب بحالة مرضية مزمنة.. والدعم المجتمعي هنا يجب أن يقدم في صورة وعي ثقافي اجتماعي وتيسيرات في المحيط البيئي المعيشي..
والحقيقة أن الأم تعتبر المصدر الأساسي لصلاح الأمة ، المجتمع....
 فالأم هي التي تقوم بإنبات النبتة وغرس قيم الخير والفضيلة والصدق.. تعليم قيمة العمل والمسئولية، تعليم الواجبات والحقوق ضمن الأعراف المقبولة، قيمة الأخذ والعطاء، قيمة التعاون والتكافل، تعريف الطفل بخالق الكون، تعليمه الإيمان بالله، تفهيمه معنى الرسالة التي خلقنا الله عز وجل من أجلها.. منتهى القول أن الأم هي التي تشكل ضمير الإنسان، الضمير الذي يدرك الفصل الخير والشر وبين الظلم والعدل.. وغير ذلك من التوجهات الاختيارية بين قيم الفضيلة والرزيلة ....
ولذا تعتبر رسالة الأبوة والأمومة من أعظم الرسائل التي كلف الخالق عز وجل الإنسان بها لتعمير الأرض.. ولقد تعددت الآيات الرسالة بنجاح وإنتاج جيل جديد جيد الصنع من صغار الإباء والأمهات....
 وتخطى بعض الصعاب... ومواجهة كم من التحديات التي تراكمت نتيجة إخفاق آليات المجتمع في تهيئة الإمكانيات المناسبة لتسهيل مهمة الأمومة والأبويةالتي توصى بحسن المعاملة والإحسان إليهما.. وهو ما يعتبر أعظم تكريم شرفي يمكن أن يمنح لهما ....
 فعلينا أن نرفع القبعة تقديراً واحتراماً لكل أب وأم تمكنا من تأدية....