في لحظة من لحظات التأمل.. محاولة فلسفة
مواقفنا الحياتية.. الليلية والنهارية.. أدركت أن حياتنا ما هي إلا أبواب وعوالم..
ندخل عالمنا الأول.. باب الحياة.. حيث يستقبلنا
الأهل والأحباب بالفرحة والتهليل ورش الزهور وروائح البخور والعطور.. ثم نحبو ونتعثر
محاولين تعلم المشي دون تعثر.. ثم ندخل عالم جديد يسمى عالم المعرفة والتعلم.. في
بعض الأحيان الدرس يكون قاسي.. لكن النتيجة أننا نتعلم.. نكتشف شيء جديد.. قد يكون
مبهر.. قد يكون مذهل يدفعنا لخوض المزيد من التجارب والمحارب.. وقد يكون محبط.. يسقط
من عزيمتنا وقوتنا ويزيد من تخوفنا لخوض الجديد من التجارب.
ونسير في الحياة دربا.. لندخل أبواب وعوالم
أخرى.. عالم الطفولة المليء بالإنبهار بما نكتشفه عن العالم المحيط.. فعالم الطفولة
عالم تنسجه الأفكار الخالية والتصورات الذهنية التى تنقل من خلال أبواب وعوالم
أخرى (الأب والأم.. الأقارب.. وسائل الإعلام والتكنولوجيا).. ومن خلاله يتم تشكيل
وعينا وقيمنا المحددة لما هو مرغوب وغير مرغوب.. قيم الخطأ والصواب.. الخير
والشر.. وتختلف طبيعة هذه العوالم باختلاف التراث الثقافي وأبوابه النابعة منه..
وتمر الأيام والليالي لندخل عالم الشباب.. لتتغير
تصورتنا عن العالم وعن علاقتنا بالأخر.. ويسيطر علينا الأمل والإيمان بإمكانية
تغيير العالم وتحقيق الأفضل وتطبيق القيم المثالية والدعوة للديمقراطية والحرية..
وتبني الأعمال الخيرية.. ومحاولة المشاركة السياسية والعلمية والعملية.. وكلها
أبواب قد تفتح وقد تغلق من خلال أشخاص في محيط حياتنا.. أشخاصً بيدهم مفاتيح هذه
الأبواب.. فإما أن يكونوا سبباً في فتح الباب للترقي والتقدم والصعود.. وإما أن يكونوا
سببا في هدر الطاقات البشرية والملكات الإبداعية.. وإدخال الظلمة واليأس إلى قلوب
كانت خضرة يانعة مزهرة..
ونتخرج من باب الكلية أو الجامعة.. حيث تلقينا
العلم وفروعه المتخصصة.. وألتقينا بالأساتذة والزملاء.. عشنا معهم أيام فرح ومرح..
واجتهاد لتحصيل العلم.. ومعاناة إجتياز الامتحانات..
ونندمج في عالم الأصدقاء والمعارف ومحاولة
مصاحبة كل من هو عارف.. زاعما فهمه بكل العوالم.. ومن بين عالم الأصدقاء ننتقي بعض
الأوفياء.. ليكونوا صحبة في الشدة.. وعونا في إعداد العدة للتداوي من الأحزان..
ومشاركتنا الفرحة في تزين البنيان.
وهناك عالم الفيس بوك.. بشبكته الإفتراضية
ومجموعاته التي تطرح أفكار وقضايا قد تكون عميقة ومؤثرة وهامة.. وقد تكون سطحية
وتافهة.. ويعتبر عالم الفيس بوك من العوالم الجديدة التي دخلت حياتنا وأصبحت تشغل
نصيب لا بأس به من وقتنا واهتمامنا..
وتدور الأيام بعد تخرجنا من باب الكلية أو
الجامعة.. وبعد عدة شهور أو سنوات ندخل باب العمل.. والصراع للحصول على فرصة عمل
مناسبة.. ونعيش حياة الصراع والمنافسة من أجل إقحام أنفسنا للصعود في سلم الترقي
الوظيفي.. وإذا حالفنا الحظ للوصول إلى منصب عالً.. أو تأسيس أسم وتجارة ناجحة
رائجة.. ندخل عالم القلق والخوف على ما جنيناه من مزايا.. التى من أجلها تلتف من
حولنا الرعايا.. وهنا ينفتح أمامنا باب حب الجاة والمال والسلطة والنفوذ.
وقد يعينا القلق ويرهقنا خوفا على ما بأيدينا
من ثروة وما تمنحه لنا من قوة.. فندخل عالم المرض.. وما أدراك ما عالم المرض..
حينها ندرك قيمة الصحة ونقول ليتني لم أسعى لهذا الغرض.. جمعت مالا وعددته.. ولم
ينفعني في شدتي عند المرض..
وهنا قد ندخل عالم السخافات والحماقات..
والندم على ما هو فات.. ونظل نتمنى محو ما أكترفناه من سخافات وحماقات عن قصد أو
عن دون قصد.. ومن أخطائنا نظل نتعلم.. طوال حياتنا نظل نتعلم ونتلقى الدرس المستفاد
مما هو فات.. لعلنا ندرك الحكمة عند التخطيط لما هو آت..
وتمر الأيام لنصل إلى عالم الشيخوخة وكبر
السن.. عندما ينال الشيب منا.. تذهب عنا قوتنا وصحتنا بالتدريج.. نظل نتذكر أيام
شبابنا.. ومغامرتنا التي لا تخلوا من عزم وقوة حماس الشباب..
وقد يكون لعالم الشيخوخة رونقه ووقاره الخاص..
الإ أن مشاكله قد تكون أشد قسوة.. صحيا أو اجتماعيا أو نفسيا.. كل حسب حالته
وأوضاعه الخاصة..
وبأمره سبحانه وتعالي.. يستوفى الآجل.. يغلق
الباب وندخل تحت التراب.. حيث يقام الحساب ويعرض الكتاب.. ويتم وزن الحسنات
والسيئات ونتيجة أعمالنا في مختلف أبواب الدنيا وعوالمها.. وعندما يغلق الباب
ويفارق الأهل والأحباب.. نعيش في عالم لا يدرك الأحياء خفاياه ونظمة وقوانينه.. اللهم
إلا من خلال ما ذكر في بعض الأحاديث القدسية.
ولكن بالرغم من وجود الباب الفاصل بين عالم
الأحياء وعالم الأموات.. تنمو بداخلنا نحن الأحياء علاقة روحانية نورانية وحنينية
لمن فقدناهم من أحباب.. علاقة تجعلنا ندرك قيمة عملنا في عوالمنا الحياتية.. وأن
الحياة الدنيا ما هي إلا باب.. يتوجب علينا أن تجتازه بنجاح لدخول عالم آخر.. عالم
الآخرة..
وهكذا نرى انه على الرغم من اختلاف الألوان والأجناس
واللغات.. إلا أن الإنسانية تشترك في عوالم بذاتها.. عالم الحياة والموت.. عالم
الفرح والحزن.. عالم الضحك والدموع.. عالم العمل والمال.. عالم الحب والكره.. عالم
السلام والحرب.. وتتوالى العوالم.. والله وحده هو العالم بشئون الخلائق بما يحتويه
من خفايا وحقائق..
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب – علم الاجتماع
9/10/2010