من زمن و أنا معجب بأسلوبها اللانمطى في طرح القضايا المجتمعية ، لما في ذلك من عذوبة القلم وروعة البيان وقوة العبارة والطابع العلمي الدقيق في التناول ... لها كل الشكر والتوفيق ....
صديقتي الدكتورة " نهلة أحمد درويش "

وجوه وأقنعة.. وغياب الكلمة المانعة..
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
31/7/2011

تعتبر المجاملات الاجتماعية من السمات البارزة للشخصية المصرية في تعاملها مع الأخر.. فمن المؤكد أن هناك مواقف تصبح المجاملة فيها ضرورة.. كالمباركة على حدث سعيد.. ومجاملة صديق سواء خلال المحن أو تبادل التهاني في العيد.. أو الإفصاح بكلمة مجاملة حرصاً على عدم إحراج شخص ما من قريب أو بعيد.. أو التعاطف مع شخص يمر بأزمة لتشجيعه على المواصلة والثبات.. أو خلال المناقشات والمفاوضات السياسية التى تتطلب الكثير من التلاعب بالكلمات وتبني عدة مسالك حوارية مرتدية في بعض الأحيان عدة أقنعة متزينة بصبغة جمالية..
كل هذا وغيره يمكن أن يعتبر ضربا من الدبلوماسية الاجتماعية التي يمارسها الأفراد في حياتهم اليومية.. أذن فهي تمثل شكلا من السلوكيات المقبولة نوعاً ما.. والتي يمكن تصنيفها من قبيل الذكاء الاجتماعي للتفاعل مع موقف معين.. أو يمكن تصنيفها كنوع من أوجه الأدب واللياقة.. شكل من الذوق الاجتماعي الذي يمارسه الناس فيما بينهم في حياتها اليومية..
ولكن.. قد يصل هذا السلوك إلى درجة المبالغة.. حيث يكثر من يتقن فن تبديل الأقنعة ويكون لديه سياسة مقنعة.. وتكون كلمته ملونة.. أبيض أمام شخص ما.. وأسود أمام آخر.. وربما رمادية أمام ثالثهما.. وقد يمتدح شخصا أثناء حضوره.. وأثناء غيابه يرصد جميع عيوبه أو يعارض بعض أفكاره وأعماله.. ، ناهيك عن مهارة النساء في هذا الفن من تبديل الوجه وتغيير الأقنعة.. والتلون بالألوان المطلوبة وفقاً لما يتطلبه الموقف وما تستدعيه الحالة.. قد تؤيد وتصدق على ما تقوله أحد زميلاتها.. وتنكر تأييدها أمام جماعة أخرى لكسب رضاهم أو مجاملتهم.
فمن الواضح أن الشخصية المصرية أصبحت تعاني الازدواجية وضعف الشفافية والمصداقية.. والمشكلة أننا قد نعلم أن ما يقوله الشخص الآخر قد يفتقد المصداقية.. وقد نعلم انه مجرد قناع ووجه من الوجوه.. ورغم ذلك نستمر في المسايرة والمجاملة. نستمر في المسايرة سواء مخيرين أو مجبرين..
فكثيرا منا يفتقد القدرة على التعبير عما بداخله من مشاعر، أراء، شفافية الانعكاسات أو طبيعية التصرف والتفاعل.. كثير منا يلجأ للتكلف والتصنع ولبس الأقنعة حتى ينجح في اكتساب وجهة اجتماعية معينة.. أو حتى يكتسب القبول في جماعة ما.. حتى بين الأفراد المقبلين على الزواج يكون التكلف والتصنع في أعلى درجاته.. وكأن الزوجين لا يدركان أنهما سيقدمان على شراكة حياتية يعلم الله وحده إلى متى ستطول.. وكأنهما لا يعلمان أنهما بمجرد دخولهما في الشراكة الحياتية لا بد من أن تنكشف جميع الأقنعة وتتجلى حقيقة الشخصيات.. والاصطدام بالواقع سعيداً أو مريراً.. وهكذا في جميع مشاريعنا الحياتية.. دائماً ما نكون حريصين على لبس بعض الأقنعة..
ففي محيط العمل مثلا.. هناك بعض الأشخاص المهرة في تعددية الوجوه والأقنعة.. مما يؤثر بالطبع على أداء العمل وأسلوب الإدارة نتيجة التذبذب في الآراء والتوجهات وعمل حساب للمحسوبية والخواطر (وعلشان خاطر فلان.. وعلشان خاطر علان).. ولذا تهدر الفرص والطاقات بسبب غياب الكلمة المانعة والسياسة القاطعة.. غياب السياسة العقلانية في إدارة الأمور.. السياسة الواضحة والمعلنة ذات وجه واحد وليست وجوها متعددة.
افتقدنا الموقف المحدد والكلمة المانعة.. الكلمة الواضحة التي تعكس مصداقية ما نؤمن به من رؤى واتجاهات.. ولعل أجهزة الإعلام تكون قد ساهمت بشكل فعال في تربية هذه الازدواجية وعدم صراحة المشهد والتخاطب مع عقول المتلقين بمصداقية وشفافية.. فكثيرا ما عملت أجهزة الإعلام على تزييف الواقع وتركيب أقنعة ووجوه مزينة بألوان براقة زاهية.. لتعمل على إقناع الناس برأي ما.. أو للموافقة على قضية ما.. أو الالتفاف حول شخصية ما إلى حد التأليه.. ومع نمو العدد الهائل من القنوات الفضائية نجد بعض المتحدثين يطرحون آراء ما في برنامج ما.. وينفونها أو يخالفونها في برنامج أخر.
نعم، هناك بعض المواقف من الضروري الظهور فيها بمظهر لائق والتحلي بخلق الأدب والرقي وممارسة الدبلوماسية الاجتماعية.. ولكن ليس من الضروري أبداً اللجوء للتكلف والتصنع ومحاولة لبس الأقنعة.. ليس من الضروري محاولة رفض كينونتنا وطبيعتنا واللجوء لتزينها لإخفاء ما بنا من عيوب أو لمحاولة الحصول على القبول والفوز بالرضا والتأييد العام.. وقضاء المصالح بناء على ما لدينا من مهارة في التملق والمجاملة ولبس الأقنعة.. وتغييرها وفقاً لطبيعة الموقف وحالة الفاعلين فيه..
بطبيعة الحال.. قد تؤدي ظاهرة تعددية الأقنعة والوجوه إلى ضرب من ضروب الظلم وعدم العدالة في تحصيل الفرص والفوز بالمزايا.. فمن يجامل أكثر ويبدل أقنعته بمهارة أكبر.. يكتسب مزايا ومحسوبية أكثر.. ومن يفتقد لتلك المهارة يفتقد الكثير من الفرص.
المصداقية والتلقائية والشفافية.. سمات واقية وشافية لكثير من أمراضنا النفسية وأوجاعنا الحياتية.. فلبس الأقنعة أمر مرهق ومتعب.. ومهما تكلفنا وتصنعنا لا بد في النهاية الرجوع لطبيعتنا.. وذلك لعلمنا أن الأقنعة مصيرها يوما ما إلى زوال.. فلنحاول التعامل مع الحياة بتلقائية وشفافية ومصداقية في تعاملاتنا الحياتية.. ولنكن حريصين على تبني رؤية واضحة صادقة.. وحريصين على كسر كل أشكال الجليد.. التي تربي الأمراض الاجتماعية الصديدية.. وتزيد من صناعة الزيف وثقافة العبيد.. عبيد يحاولون التملق ومجاملة من يحقق له المصلحة.. ومن بيده الأمر فهو السيد.. فلقد خلقنا أحراراً.. عباد فقط لخالقنا الذي أوصانا بصدق القول والعمل واحترام الوعد والكلمة المانعة في كل موقف ومع كل حالة.
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
31/7/2011

وجهة نظر.. بين القدامة والحداثة

أنت دقة قديمة .. أفكارك و قيمك أصبحت عديمة و ليس لها قيمة.. في زماننا الحالي الذي يحتاج كل لعيب وفهيمة.. بالبيضة والحجر يلعب.. وعلى كل لون يقلب.. حسب المواقف يتغير ويتشلقب.. مجاملا من يقف أمامه إذا كان عنده مصلحة أو حاجة يقضيها في عالمنا المتغير.. عالمنا الذي أصبحت فيه كل الحاجات تقضى عنوة.. وكلً له غنوة..

رجعية.. متخلفة.. اتُـهم أنا.. إذا ما خالفت مسايرة القطيع في القول أو الفعل.. ومسايرة الرأي المطيع.. الموافق على كل ما يقولونه عن كل أمر.. وإذا خالفت الرأي يصبح شيئا فظيع.. كائن غريب أنا.. من كوكب آخر قادم.. يعيش وحيدا في مدينته الفاضلة بقيمه ومثاليته المتأصلة.

وقد اتُهم بالإنفتاحية وتبنى القيم العصرية.. المتعارضة مع التقليدية ونمط الحياة الشرقية.. وخاصة المعتقدات الشرنقية والعقول الحجرية.. وعلى الرغم من تلقيها العلم واجتيازها لبعض المراحل التعليمية.. إلا أنها ما زالت عقول عندية.. تتشبث بأفكارها الجامدة الرافضة للجدلية العقلانية واللين لتقبل الرأي الآخر ومعرفة الاتجاهات الحداثية..

سيدي.. كلً له رأيه.. يرى الأشياء من وجة نظره.. وبناء على وجة النظر.. يتخذ السلوك والتصرف.. وبين مفهوم الخطأ والصواب نتأرجح.. نحاول أن نتبى الرأي الذي نعتقد أنه السديد الأرحج. فوجهات النظر تختلف بناء على المنطلقات الثقافية والقيم الخلقية التى تربينا عليها..

فمثلا.. سيدنا نوح (عليه السلام) كان يبني سفينته.. والكل يتعجب منه ويسخر.. قام ببناء سفينته لهدفً يعلمه وحده ألهمه الله به.. وعلى ضوء علمه قام بفعله (بناء السفينة) الذي سخر الناس منه.. وهكذا نحن نقوم بأفعالنا بناء على ما لدينا من معرفة وقناعات وإحاطة بظروف وأوضاع معينة.. ظروف وأوضاع قد لا يدركها الآخرون.. ولهذا يسخرون منا وينكرون.. وقد يصل الأمر إلى اتهامنا بالجنون.  

فكل منا له أساليبه الحياتية ومنهجه في معالجة شئون حياته الخصوصية.. والخطأ والصواب مفاهيم نسبية تختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر حسب الزمان والمكان.. فالمعتقد أو الرأي الذي كان يصف على انه خطأً في الماضي.. يمكن أن يصنف على أنه صواب في الوقت الحاضر.. وما هو صحيح وشرعي ومقبول في مجتمع ما.. يمكن أن يكون غير مقبول في مجتمع آخر. بل وتختلف نسبية الخطأ والصواب أيضا من فئة طبقية لأخرى ومن شخص لأخر..

ويلاحظ أن المتبنين لرأي أو اتجاه سلوكي ما.. يحاولوا جاهدين التأثير على من حولهم المتبنين لاتجاه سلوكي مغاير.. محاولين استعراض كل الحجج لإثبات وجهة نظرهم.. وأن موقفنا الذي نتشبث به ما هو إلا عبارة عن مجموعة من العقد..

فالحريص على أداء مهامه الوظيفية بإخلاص وجدية.. يُتهم بأنه معقد ومحبكها.. عنده زمة ولا يريد أن يخالفها ويربكها. والرافض للفساد والرشوة ينظر إليه ككائن غريب آتى بأمر مريب.. وتتوالى المحاولات لإقناعه بأن هذا ليس من قبيل الخطأ.. سميها عمولة ممكن.. أو حق يؤخذ من صاحب المصلحة كمساعدة في تلبية أعباء المعيشة..

المدرس الخصوصي المراعي لضميره الذي يسعى لتحسين دخله دون جشع أو حرص على تراكم الخميرة.. يسخر منه الآخرين قائلين.. أصل أنت لا تعاني ما نحن نعاني.. غلاء معيشة.. والمدام عايزة تغير العربية وتجدد أثاث الشقة وموبيل حديث و.. و.. وتتوالى الواوات.. غير مبالين بما يشعر به الأهالي من آهات.

والمبتغي للمشاركة التطوعية ومساعدة الآخرين.. يقال له: أنت أهبل.. أنت عبيط.. شاغل نفسك بهذه اللاخبيط.. خليك في حالك وأمشي جنب الحيط..

والطالب الذي يحاول الإنكباب على دراسته وأخذ الأمور بمأخذ الجدية.. ينقده الأخرين قائلين.. يا عم أنت عامل زي الموس.. في الأخر هاتقعد في البيت وتضرب بوز..

والذي يحاول استكمال دراساته العليا.. يجد من يهبط من عزمه ويقال له.. يا عم ليه تتعب نفسك وفي العلم تغوص.. بلا علم بلا باذنجان.. خلينا عايشين في الهذيان.

شخص يقول لصديقة.. خد لك سيجارة وعيش.. أعمل دماغ وخليك لذيذ..هو حد واخد منها حاجة يا عزيز.. الزمن ده عايز كدة.. أدبك وخلقك مش هاينفعك بقة..      

والفتاه التى تحاول الحفاظ على أدبها وخلقها.. يقال لها.. أنت ليه معقدها.. كدة هاتفضلي قاعدة في الخزانة.. لازم تخرجي.. لازم تعرفي وتتكلمي.. علشان زوج المستقبل تنشني وتعلمي..

مواقف ومفارقات كثيرة نواجهها في حياتنا وتزيد من آهاتنا.. والصراع بين الرؤى والاتجاهات السلوكية بين القدامة والحداثة والعيش في اللذاذة.. صراع مستمر ومستديم.. إلا انه قد تزايد بصفة خاصة في الوقت المعاصر.. ولكن علينا الانتقاء بعقلانية للقيم الإيجابية من القدامة والحداثة غير متأثيرين بالساخرين والناقدين والمنادين بالعيش في اللذاذة.. الذين يحاولون جاهدين تعميم أراءهم وتوجهاتهم ونشرها بين من حولهم ممن يخالفونهم وجهة النظر.. "ولولا أني شجرة مثمرة لما رميت بالحجر".

فكل له رؤيته ووجهة نظره التى يؤمن بها.. وعلى أساسها يعيش بطريقته ويؤدي عمله.

د. نهلة درويش

دكتوراة في الآداب – علم الاجتماع

19/12/2010 


نحتاج يوم عالمي للفرح والسعادة أيضاً....

هناك يوم عالمي للمرأة .. ويوم عالمي للبيئة .. ومؤخراً عاصرنا يوم الصحة العالمي .. والدعوة التي شنتها منظمة الصحة العالمية.. ((1000 مدينة .. 1000 حياة)) ولا شك أنها دعوة حضارية قيمة .. تشجع على زيادة الوعي الصحي والبيئي .. والعمل على تعزيز الأنشطة الصحية بمختلف مستوياتها في كل مدينة على مستوى العالم .. وذلك بغرض تدارك الأزمات والكوارث الإنسانية التي أصبحت تقع على فترات زمنية متقاربة .. سواء نتيجة أفعال الطبيعة .. أو نتيجة أفعال الإنسان ..

وعلى ذكرى الأزمات والكوارث .. يحضرني الآن بعضاً منها التي تعرض لها المجتمع المصري: زيادة الفجوة بين الدخول .. التباعد الطبقي بين الأغنياء والفقراء .. عدم كفاية دخل

( الموظف .. الطبيب .. المهندس .. الأستاذ الجامعي .. وغيره ) لسد متطلبات الحياة اليومية .. وهو ما يشير إلى دخول فئات لم تكن متواجدة من قبل إلى مفهوم الاحتياج .. أو الفقر بمعدله البسيط أو المتوسط.. هذا علاوة على تزايد أعداد من هم تحت خط فقر .. وتزايد قاطني العشش والمناطق العشوائية المحرومة من أهم الخدمات على مستويات كثيرة .. وهو ما دفع الكثيرين للتفكير في الهجرة خارج البلاد .. بعضهم نجح.. وبعضهم فشل .. بل انتهت حياتهم بالغرق في عرض البحر مع سيناريو غرق العبارات السائد.

وتعكس كثير من البرامج هذه الصورة .. صورة الناس التي تشكو من الغلاء .. والقيام بما عليهم من مطالب يومية وتوفير الحياة الكريمة لأبنائهم .. صورة الناس التي تشكو من النظام وصعوبة الحصول على الخدمات .. صحية .. تعليمية .. تموينية غذائية .. بيئية .. وغيرها من الخدمات الضرورية ليعيشوا حياة كريمة.

أصبحنا نسمع كثيرا عبارة " مما تشكوا الآن " أو " أنت متضايق من أيه ".. وكأن المجتمع المصري أصبح مريض كثير العلل .. وكأننا أصبحنا في حاجة شديدة إلى طبيب ماهر

"فائق المهارة" لمعالجة آفات وآهات المصريين..

ونستطيع أن نلمح بوضوح .. حجم البؤس الانكسار على وجوه المصريين .. المصري ( فئات معينة ) المنشغل بهم كيفية جلب رغيف العيش .. كم أصبح سعر كيلو اللحم .. هل سيستطيع تسديد مصاريف الدراسة للأولاد.. ناهيك عن ما يطلبه المدرس الخصوصي .. والابن الذي أنهى تعليمه ومازال عاطل لا يعمل .. وعندما يتزوج يعتمد على والديه لسداد ما عليه من مطالب للزواج.. مما يزيد العبء والهم على والديه .. وهو ما يؤدي إلى زيادة الوجوه البائسة والعابسة التي تظل تفكر في سئوال "كيف علي القيام بكل هذه المطالب؟".. كيف أؤدي رسالتي بكرامة دون ذل أو مهانة؟"..

وبالرغم من ما يشتهر به المصري من خفة الظل والفهلوة.. وأنه ابن نكتة .. حتى وهو في عز الأزمة.. إلا أنه أصبح كثير الشكوى والهم في ظل ما يعاصره من تحديات واردة من الخارج.. ولكنه لا يدركها..

ولذا .. أتمنى أن الاتجاهات العالمية تهتم بتحديد يوم عالمي للفرح .. للسعادة .. قد يتراءى للبعض أن هذا كلام يدعوا للسخرية أو الضحك .. ولكن بالتأكيد أنه لدينا العديد من الجوانب الإيجابية النابعة من ذواتنا .. وإذا لم يكن لدينا .. فلنحاول أن يكون لدينا .. فلنحاول تكوين مخزون من الرؤى الإيجابية المفرحة .. بجانب ما لدينا من مخزون للرؤى السلبية الجالبة للهم والغم ..

بقلم: د. نهلة درويش

دكتوراه في الآداب علم الاجتماع   



كان يا ما كان .. وما آل إليه الحال الآن..

شاهدت إعلان ساخر.. يعرض لبعض المهازل.. عن تغير صورة العلاقة بين المرأة والرجل بين الماضي والحاضر.. ففي الماضي كان لا يتوقع أن تتفوه المرأة سوى بكلمة حاضر.. حاضر لكل الأوامر والطلبات التى تلقى عليها.. دون تذمر أو اعتراض وتقوم  بما يطلب منها عن طيب خاطر. بشوشة الوجه هادئة الصوت لطيفة الطبع حسنة التعامل في معظم المجالس والمحاضر.. محتوية لموجات الغضب والتعصب التى تنتاب رفيق حياتها في بعض أو معظم الأحيان.. وتكرس كل وقتها للرعاية زوجها وعيالها.. ولا وقت لديها للتفكير في حالها وما جنيته من مكاسب أو مناصب..

وطبعا هذه صورة المرأة في الماضي.. التى جسدها الكاتب الكبير نجيب محفوظ في ثلاثيته.. "الست أمينه" التي تخشى أن تتفوة بكلمة أمام "سي السيد".. فهو الآمر الناهي.. صاحب السلطة العليا في تدبير شئون منزله ورعاية أسرته.. شاربه يقف عليه الصقر.. وهيبته لا تهتز.. في حضوره يسود الاحترام ولا يسمح بتجاوز الحدود.. حيث هناك الكثير من المنوع والسدود.. ولكن طبعا هذا النموذج لا نعتبره هو النموذج المعمم.. إلا أنه كان من النماذج السائدة خلال بعض العقود.. أيام زمان.. وكان يا ما كان.

أما ما آل إليه الحال الآن.. في ظل عصر العولمة.. وتزايد اهتمام المنظمات الدولية والمجتمع بقضايا المرأة.. وتشجيع مشاركتها في عملية التنمية بجميع مجالاتها ونواحيها.. ونمو وانتشار الدعوة بالمساواة بين المرأة والرجل.. فلقد ساعدت العولمة على إذابة كثير من المنوع والسدود إلى كانت قائمة "أيام زمان".. سدود وأسوار صلبة ومنيعة تشوب جميع أنواع العلاقات الإنسانية.. سواء بين الدول أو بين الأفراد. وتغيرت صورة العلاقة بين المرأة والرجل.. وخاصة العلاقة بين الزوج والزوجة..

فلقد اكتسبت المرأة الكثير من الاستقلالية والثقة والجرأة في التعبير عن ذاتها واحتياجاتها.. بعد أن كانت مفتقدة القدرة على التفوه بكلمة سوى كلمة حاضر.. لم تعد مكترسة بتحقيق الرضا الكامل لزوجها بالقيام بكافة احتياجاته ومتطلباته.. بل أصبح الزوج هو الحريص على اكتساب رضا زوجته.. بل ويتوجب عليه قول كلمة حاضر لكل متطلبات زوجته.. وإذا قال لا لبعضها فهو المناضل.. كذلك اكتسبت الزوجة المزيد من الحرية والمزيد من السلطة في تدبير شئون منزلها.. وتسير أحوال أسرتها.. وفي كثير من الأحوال تحاول إثبات أن رأيها هو الرأي السديد الراجح.

وبالتأكيد لا يمكن أن ننكر أن هذه الصورة هي الصورة التى أصبحت منتشرة في أغلب النماذج.. ولكن لا يمكننا أن نجزم أنها صورة معمة في جميع النماذج.. فبالتأكيد أيضاً أن هناك صور من النماذج المعتدلة التى تساند فيها المرأة الرجل.. والرجل يدعم ويساند المرأة دون نزاع أو صراع.. اللهم إلا في بعض العوارض..

إلا أنه يبدوا أن الصراع في وقتنا المعاصر قد اجتاح كافة العلاقات الاجتماعية.. حتى العلاقة بين الزوج وزوجته.. وخاصة حديثي الزواج.. والدليل على تزايد الصراع في العلاقات بين الرجل والمرأة.. هو تزايد حالات الطلاق والانفصال.. وذلك نظراً لأن المرأة لم تعد تقدم الكثير من التنازلات من أجل الاستمرار في حياتها الزوجية.. كما كان يحدث أيام زمان.. بل أصبحت كرامتها واحترام كيانها يأتيا أولا.. وهناك دليل أخر على تزايد الصراع بين الرجل والمرأة يتمثل في تزايد حالات العنوسة.. وذلك خشية أن تقع في فخ الاستعباد الذي ارتسم صورته في ذهنها من أيام زمان.. فالمرأة الآن كالعبد الذي اكتسب حريته و لا يريد العودة إلي العبودية بأي صورة من الصور أو أي شكل من الأشكال. وهو ما قد يكون سبب من بين عدة أسباب لانتشار مشكلة العنوسة.. خاصة في وقتنا الحاضر.

والسؤال الآن.. هل المرأة المعاصرة سعيدة؟.. أم أنها أصبحت حائرة بين ما اكتسبته من حرية وما حققته من مكاسب ومناصب.. وبين ما عليها من مسئوليات ووجبات.. كأمرأة يجب عليها الحفاظ على أناقتها وأنوثتها ومواكبتها للتيارات العصرية.. وكزوجة وأم يجب عليها مرعاة شئون أسرتها.. وكأنسانة يجب عليها أن تقاتل وتناضل لتحقيق ذاتها والعيش في حياة كريمة دون نهر أو قهر..

وهكذا نرى أن الأدوار التى يجب على المرأة المعاصرة القيام بها قد تعددت وتنوعت في وقتنا الحاضر.. وهي بذلك تواجه الكثير من التحديات للقيام بكل أدوارها على نحو متكافئ.

د. نهلة أحمد درويش

دكتوراة في الآداب علم الاجتماع

10/9/2010


خٌلقت أنثى... يالا سعادتي أم يالا تعاستي!!..

حلقت عبر الأزمنة وطرت.. ورأيت ما رأيت.. من خلال البساط السحري عبرت فوق مدن وقرى وبيوت.. وهي هي القصص الخاصة بالبنت.. فهناك بعض البقاع من تتلقى خبر البشرى بالمولود الأنثى بنوع من القبول وأحياناً تصل درجة الفرحة الى دق الطبول. وهناك بقاع أخرى كثيفة النسمات البشرية تتلقى خبر المولودة البنت كالصاعقة وكأنها الطامة الكبرى.. ففي بعض الثقافات هناك من يتواري خجلاً وخزياً من عار أن خلفته "بنات".. ويظل يحول ويجوب ليتزوج بأخرى.. بل ويمكن بأخريات ويصبح هاوي تعدد الزوجات.. حتى يرزق بالولد.. الذي سيخلد ذكراه في البلد.. نسي أو تناسى  ان البنت أو الأنثى هي من ستكبر ومن سترعى وتربي.. من ستلد بنت أو ولد..
حتى في ظل تطورات العالم في القرن الواحد والعشرين.. لا تزال المفاهيم والتصورات الخاصة بالبنت تتوارث وتسري في المجتمع.. تمثل ضغوطا قامعة قاتلة على نفسية البنت.. وتختلف درجة صرامة هذه الضغوط أو القيود الاجتماعية من ثقافة لأخرى ومن فئة اجتماعية لأخرى..
ففي المجتمعات الشرقية على وجه الخصوص تربى البنت منذ طفولتها وكأنها كائن أقل شأناً وقيمة من الذكر.. تحرم من التمتع بالكثير من الحريات والحقوق التي تمنح للذكر.. فقد تمنع من التعليم وفرصة الانفتاح والتنوير إذا ما قرر رب الأسرة (في بعض الفئات وخاصة في الريف والبدو والصعيد) ذلك.. لتقوم الفتاة بالمساعدة في أعمال المنزل.. أو العمل لكسب المال.. أو ليتم تزويجها (راضية أم آبية) حتى ترتاح الأسرة من حمل همها (كبنت).. أو ربما ليكتسب الأب بعض المال من زواجها الذي يراه كنوع من الصفقة المحققة له بعض الربح.
نأتي هنا إلى مشكلة التجارة بالنساء أما من خلال تزويجهن لتحقيق صفقات رابحة.. أو من خلال التجارة التي يديرها أشخاص معينين وتقوم على أسس معينة من التعاملات.. وأحياناً قد يصل الأمر إلى تكوين شبكة دولية.. أو ذلك النوع من التجارة التي تمتهنه المرأة كمصدر لكسب المال وإعالة نفسها وأسرتها.. وبالرغم من نظرات المجتمع التي تدين وتجرم مثل هذه الأنواع والأشكال من التجارة وتضع فاعليها في مكانة المجرمين المنبوذين والخارجين عن الأخلاقيات الاجتماعية.. إلا أن المجتمع قد يكون عاملاً مساعداً لظهور ونمو مثل هذه التجارة.. وذلك بسبب إهمال معالجة ظاهرة الفقر والجهل في المجتمع.. مما يضطر البعض من النساء للجؤ إلى هذه الوسيلة لكسب العيش في بعض الحالات.. ومن المفارقة أننا نجد أفراد بل وجماعات ممن يشجع ويستمتع بتلقي خدمات هذه التجارة.. وانتشار الملاهي ومحال الرقص تدل على أنه يوجد طلب على هذا النوع من التجارة.. وعلى الرغم من نظرة المجتمع (ضمن بعض الثقافات) التي تلصق العار على الراقصات.. إلا أنه في بعض المواقف يتم التعامل مع المشاهير من الراقصات بشكل يحمل القبول الضمني من المجتمع.. ويعكس هذا وجهة من التناقضات الاجتماعية..
شكل أخر من الضغط والقهر الذي تتعرض له المرأة في المجتمع.. وهي مشكلة هجرة الزوج أو عائل الأسرة.. سواء بسبب عمله بالخارج أو بسبب زواجه بأخرى.. وفي كلا الحالتين تضطر المرأة لتخطى الصدمة وحمل المسئولية لإعالة الأسرة والقيام بتربية الأبناء.. والكثير من الظلم المجتمعي يقع على مثل هذه الحالات.. فالمرأة المطلقة تلاحق بنظرات اللوم والعار أينما ذهبت.. والمرأة المعيلة القائمة على تربية أبناؤها أحياناً ما يخرق أذنيها تعليق على تربية أبناءها "دول تربية واحدة ست".. وكأن المجتمع لا يدرك الأدوار التي تقوم بها المرأة، كأم لأبنائها في المنزل وكمدرسة للأطفال ومربية أجيال.. وكراعية لأنشطة اجتماعية عديدة.
وتقوم المرأة كذلك بدور هام ومؤثر في تشكيل العلاقات الأسرية.. فهي الركيزة الأساسية لإقامة مؤسسة الأسرة وتدبير مختلف شئونها.. وهي الشريكة التي تشارك زوجها في مشوار الحياة.. وهي الأخت الكبرى التي تضطر أحياناً لاحتضان الأسرة ورعاية والديها وأخواتها.. وهي الابنة التي تفترش قلب والدها كأميرة متوجة.. وهي الحبيبة التي يكتب فيها الشعر والأغاني لوصف جمالها ورقتها واستحالة الحياة بدونها.. فكم من أغنية كتبت وكم من بيوت شعر سطرت لتصف مشاعر الحب ومتاعب القلب إذا ما حرم الحبيب من رؤية حبيبته.. فهي تعتبر رمز للجمال.. حتى وإن كان ذلك من تصورات الخيال..
ولكن إلى جانب هذا الدور الإيجابي الذي تلعبه المرأة في تشكيل العلاقات الأسرية.. فهي تشارك أيضا بدور سلبي في هذا المضمار.. بكونها سبباً في إنماء مشاعر العداء في قلوب أبناءها إذا ما حدث انفصال بينها وبين شريك حياتها.. وحتى إذا لم يحدث.. فهي تتعمد في كثير من الأحيان خلق مشاعر البعد والجفاء وإقامة حواجز جليدية حيال أسرة الزوج وأقاربه.. وتشهد محكمة الأسرة الكثير من حالات الطلاق الناتجة عن هذه الأسباب.. ناهيك عن صراعات حضانة الأطفال ورؤيتهم وتخوين الطرف الأخر في أمر حمايتهم..
والحقيقة أن المجتمع كما يشارك في صناعة ثقافة القهر للمرأة.. بدءً من كره الرزق بالبنت، وتغذية عقلها بكونها كائن أدني حقوقية أثناء تربيتها، والتحكم في تقرير مصيرها، إبداء الولد بحق التعليم والنصيب الأكبر من التكلفة المادية لتلبية احتياجاته الأساسية والثانوية.. وغير ذلك من الصور التي ساهم الفكر السائد في المجتمع في صناعتها.. الضغوط التي تحول المرأة إلى كائن بشري تعيس يقوم بتأدية مهامه الحياتية مثل الإنسان الآلي فاقد الإحساس والشعور.. ومن تمتلكه التعاسة يفتقد القدرة على العطاء بحب والتراحم بود..
فهو يشارك أيضاً في إنما وتضخيم ثقافة الأنا الذكورية.. ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى مفاهيم التربية والتنشئة الاجتماعية.. التي تعظم وتضخم من قيمة الرجل.. وتخسف بقيمة المرأة لأدني الدرجات.. فمن المفترض أن تؤسس عملية التنشئة الاجتماعية على قيم الديمقراطية الداعمة لاحترام الذات الإنسانية.. والتي تؤهل للمشاركة في تحمل المسئولية في العملية التنموية.. وتعتبر الأسرة النواة الاجتماعية الصغرى المصنعة للأيدي والعقول المشاركة في العملية التنموية. والمرأة لها دور مشارك ومؤثر في هذه العملية الصناعية.. ولكن للأسف قد تشارك المرأة أيضا بدور سلبي في العملية الصناعية للتنشئة من خلال تطبيق مفاهيم التفرقة العنصرية بين الولد والبنت.. فكثيرا ما نجد أن الأم تنحاز أكثر لمناصرة الولد.. ويعكس هذا نوع آخر من التناقضات الاجتماعية.. فالبنت التي عانت من بعض أشكال الظلم والقهر أثناء مراحل حياتها المبكرة.. تمارس نفس الأسلوب وتطبق سياسة عدم الإنصاف في التربية عندما تكبر وتصبح أماً.
لا يدعو هذا المقال إلى المساواة الندية.. بل يدعو إلى تبنى الديمقراطية في تنظيم الواجبات والحقوق للذكر والأنثى، فكل منهما له مسئوليته ودوره في تعمير الأرض.. فلقد سعت كاتبة المقال إلى تشريح وتحليل بعض نماذج العلاقات الاجتماعية المتواجدة في المجتمع.. ومن المؤكد أنها نماذج لا تصل إلى درجة التعميم، ولكنها بطبيعة الحال تعكس بعض أمراض ومشاكل بالمجتمع مؤرقة لحياة أفراده. ولعل الموضوع حيوي ويجسد جانب كبير من واقعنا المعاش.. ويحتاج للمزيد من اهتمام المفكرين.. والمزيد من اهتمام أجهزة الإعلام لإعادة صياغة المفاهيم الخاصة بتنشئة البنت والولد، المفاهيم الخاصة بتثقيف المرأة ومشاركتها في الأنشطة المختلفة، المفاهيم الخاصة بالذكورة حتى يكون راعي يساند وينمي فكر ودور المرأة في الحياة الاجتماعية.
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراه في الآداب - علم الاجتماع
3/9/2011