من زمن و أنا معجب
بأسلوبها اللانمطى في طرح القضايا المجتمعية ، لما في ذلك من عذوبة القلم وروعة
البيان وقوة العبارة والطابع العلمي الدقيق في التناول ... لها كل الشكر والتوفيق
....
صديقتي الدكتورة
" نهلة أحمد درويش "
وجوه وأقنعة.. وغياب الكلمة المانعة..
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
31/7/2011
تعتبر المجاملات الاجتماعية من السمات البارزة للشخصية المصرية في تعاملها مع الأخر.. فمن المؤكد أن هناك مواقف تصبح المجاملة فيها ضرورة.. كالمباركة على حدث سعيد.. ومجاملة صديق سواء خلال المحن أو تبادل التهاني في العيد.. أو الإفصاح بكلمة مجاملة حرصاً على عدم إحراج شخص ما من قريب أو بعيد.. أو التعاطف مع شخص يمر بأزمة لتشجيعه على المواصلة والثبات.. أو خلال المناقشات والمفاوضات السياسية التى تتطلب الكثير من التلاعب بالكلمات وتبني عدة مسالك حوارية مرتدية في بعض الأحيان عدة أقنعة متزينة بصبغة جمالية..
كل هذا وغيره يمكن أن يعتبر ضربا من الدبلوماسية الاجتماعية التي يمارسها الأفراد في حياتهم اليومية.. أذن فهي تمثل شكلا من السلوكيات المقبولة نوعاً ما.. والتي يمكن تصنيفها من قبيل الذكاء الاجتماعي للتفاعل مع موقف معين.. أو يمكن تصنيفها كنوع من أوجه الأدب واللياقة.. شكل من الذوق الاجتماعي الذي يمارسه الناس فيما بينهم في حياتها اليومية..
ولكن.. قد يصل هذا السلوك إلى درجة المبالغة.. حيث يكثر من يتقن فن تبديل الأقنعة ويكون لديه سياسة مقنعة.. وتكون كلمته ملونة.. أبيض أمام شخص ما.. وأسود أمام آخر.. وربما رمادية أمام ثالثهما.. وقد يمتدح شخصا أثناء حضوره.. وأثناء غيابه يرصد جميع عيوبه أو يعارض بعض أفكاره وأعماله.. ، ناهيك عن مهارة النساء في هذا الفن من تبديل الوجه وتغيير الأقنعة.. والتلون بالألوان المطلوبة وفقاً لما يتطلبه الموقف وما تستدعيه الحالة.. قد تؤيد وتصدق على ما تقوله أحد زميلاتها.. وتنكر تأييدها أمام جماعة أخرى لكسب رضاهم أو مجاملتهم.
فمن الواضح أن الشخصية المصرية أصبحت تعاني الازدواجية وضعف الشفافية والمصداقية.. والمشكلة أننا قد نعلم أن ما يقوله الشخص الآخر قد يفتقد المصداقية.. وقد نعلم انه مجرد قناع ووجه من الوجوه.. ورغم ذلك نستمر في المسايرة والمجاملة. نستمر في المسايرة سواء مخيرين أو مجبرين..
فكثيرا منا يفتقد القدرة على التعبير عما بداخله من مشاعر، أراء، شفافية الانعكاسات أو طبيعية التصرف والتفاعل.. كثير منا يلجأ للتكلف والتصنع ولبس الأقنعة حتى ينجح في اكتساب وجهة اجتماعية معينة.. أو حتى يكتسب القبول في جماعة ما.. حتى بين الأفراد المقبلين على الزواج يكون التكلف والتصنع في أعلى درجاته.. وكأن الزوجين لا يدركان أنهما سيقدمان على شراكة حياتية يعلم الله وحده إلى متى ستطول.. وكأنهما لا يعلمان أنهما بمجرد دخولهما في الشراكة الحياتية لا بد من أن تنكشف جميع الأقنعة وتتجلى حقيقة الشخصيات.. والاصطدام بالواقع سعيداً أو مريراً.. وهكذا في جميع مشاريعنا الحياتية.. دائماً ما نكون حريصين على لبس بعض الأقنعة..
ففي محيط العمل مثلا.. هناك بعض الأشخاص المهرة في تعددية الوجوه والأقنعة.. مما يؤثر بالطبع على أداء العمل وأسلوب الإدارة نتيجة التذبذب في الآراء والتوجهات وعمل حساب للمحسوبية والخواطر (وعلشان خاطر فلان.. وعلشان خاطر علان).. ولذا تهدر الفرص والطاقات بسبب غياب الكلمة المانعة والسياسة القاطعة.. غياب السياسة العقلانية في إدارة الأمور.. السياسة الواضحة والمعلنة ذات وجه واحد وليست وجوها متعددة.
افتقدنا الموقف المحدد والكلمة المانعة.. الكلمة الواضحة التي تعكس مصداقية ما نؤمن به من رؤى واتجاهات.. ولعل أجهزة الإعلام تكون قد ساهمت بشكل فعال في تربية هذه الازدواجية وعدم صراحة المشهد والتخاطب مع عقول المتلقين بمصداقية وشفافية.. فكثيرا ما عملت أجهزة الإعلام على تزييف الواقع وتركيب أقنعة ووجوه مزينة بألوان براقة زاهية.. لتعمل على إقناع الناس برأي ما.. أو للموافقة على قضية ما.. أو الالتفاف حول شخصية ما إلى حد التأليه.. ومع نمو العدد الهائل من القنوات الفضائية نجد بعض المتحدثين يطرحون آراء ما في برنامج ما.. وينفونها أو يخالفونها في برنامج أخر.
نعم، هناك بعض المواقف من الضروري الظهور فيها بمظهر لائق والتحلي بخلق الأدب والرقي وممارسة الدبلوماسية الاجتماعية.. ولكن ليس من الضروري أبداً اللجوء للتكلف والتصنع ومحاولة لبس الأقنعة.. ليس من الضروري محاولة رفض كينونتنا وطبيعتنا واللجوء لتزينها لإخفاء ما بنا من عيوب أو لمحاولة الحصول على القبول والفوز بالرضا والتأييد العام.. وقضاء المصالح بناء على ما لدينا من مهارة في التملق والمجاملة ولبس الأقنعة.. وتغييرها وفقاً لطبيعة الموقف وحالة الفاعلين فيه..
بطبيعة الحال.. قد تؤدي ظاهرة تعددية الأقنعة والوجوه إلى ضرب من ضروب الظلم وعدم العدالة في تحصيل الفرص والفوز بالمزايا.. فمن يجامل أكثر ويبدل أقنعته بمهارة أكبر.. يكتسب مزايا ومحسوبية أكثر.. ومن يفتقد لتلك المهارة يفتقد الكثير من الفرص.
المصداقية والتلقائية والشفافية.. سمات واقية وشافية لكثير من أمراضنا النفسية وأوجاعنا الحياتية.. فلبس الأقنعة أمر مرهق ومتعب.. ومهما تكلفنا وتصنعنا لا بد في النهاية الرجوع لطبيعتنا.. وذلك لعلمنا أن الأقنعة مصيرها يوما ما إلى زوال.. فلنحاول التعامل مع الحياة بتلقائية وشفافية ومصداقية في تعاملاتنا الحياتية.. ولنكن حريصين على تبني رؤية واضحة صادقة.. وحريصين على كسر كل أشكال الجليد.. التي تربي الأمراض الاجتماعية الصديدية.. وتزيد من صناعة الزيف وثقافة العبيد.. عبيد يحاولون التملق ومجاملة من يحقق له المصلحة.. ومن بيده الأمر فهو السيد.. فلقد خلقنا أحراراً.. عباد فقط لخالقنا الذي أوصانا بصدق القول والعمل واحترام الوعد والكلمة المانعة في كل موقف ومع كل حالة.
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
31/7/2011
وجوه وأقنعة.. وغياب الكلمة المانعة..
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
31/7/2011
تعتبر المجاملات الاجتماعية من السمات البارزة للشخصية المصرية في تعاملها مع الأخر.. فمن المؤكد أن هناك مواقف تصبح المجاملة فيها ضرورة.. كالمباركة على حدث سعيد.. ومجاملة صديق سواء خلال المحن أو تبادل التهاني في العيد.. أو الإفصاح بكلمة مجاملة حرصاً على عدم إحراج شخص ما من قريب أو بعيد.. أو التعاطف مع شخص يمر بأزمة لتشجيعه على المواصلة والثبات.. أو خلال المناقشات والمفاوضات السياسية التى تتطلب الكثير من التلاعب بالكلمات وتبني عدة مسالك حوارية مرتدية في بعض الأحيان عدة أقنعة متزينة بصبغة جمالية..
كل هذا وغيره يمكن أن يعتبر ضربا من الدبلوماسية الاجتماعية التي يمارسها الأفراد في حياتهم اليومية.. أذن فهي تمثل شكلا من السلوكيات المقبولة نوعاً ما.. والتي يمكن تصنيفها من قبيل الذكاء الاجتماعي للتفاعل مع موقف معين.. أو يمكن تصنيفها كنوع من أوجه الأدب واللياقة.. شكل من الذوق الاجتماعي الذي يمارسه الناس فيما بينهم في حياتها اليومية..
ولكن.. قد يصل هذا السلوك إلى درجة المبالغة.. حيث يكثر من يتقن فن تبديل الأقنعة ويكون لديه سياسة مقنعة.. وتكون كلمته ملونة.. أبيض أمام شخص ما.. وأسود أمام آخر.. وربما رمادية أمام ثالثهما.. وقد يمتدح شخصا أثناء حضوره.. وأثناء غيابه يرصد جميع عيوبه أو يعارض بعض أفكاره وأعماله.. ، ناهيك عن مهارة النساء في هذا الفن من تبديل الوجه وتغيير الأقنعة.. والتلون بالألوان المطلوبة وفقاً لما يتطلبه الموقف وما تستدعيه الحالة.. قد تؤيد وتصدق على ما تقوله أحد زميلاتها.. وتنكر تأييدها أمام جماعة أخرى لكسب رضاهم أو مجاملتهم.
فمن الواضح أن الشخصية المصرية أصبحت تعاني الازدواجية وضعف الشفافية والمصداقية.. والمشكلة أننا قد نعلم أن ما يقوله الشخص الآخر قد يفتقد المصداقية.. وقد نعلم انه مجرد قناع ووجه من الوجوه.. ورغم ذلك نستمر في المسايرة والمجاملة. نستمر في المسايرة سواء مخيرين أو مجبرين..
فكثيرا منا يفتقد القدرة على التعبير عما بداخله من مشاعر، أراء، شفافية الانعكاسات أو طبيعية التصرف والتفاعل.. كثير منا يلجأ للتكلف والتصنع ولبس الأقنعة حتى ينجح في اكتساب وجهة اجتماعية معينة.. أو حتى يكتسب القبول في جماعة ما.. حتى بين الأفراد المقبلين على الزواج يكون التكلف والتصنع في أعلى درجاته.. وكأن الزوجين لا يدركان أنهما سيقدمان على شراكة حياتية يعلم الله وحده إلى متى ستطول.. وكأنهما لا يعلمان أنهما بمجرد دخولهما في الشراكة الحياتية لا بد من أن تنكشف جميع الأقنعة وتتجلى حقيقة الشخصيات.. والاصطدام بالواقع سعيداً أو مريراً.. وهكذا في جميع مشاريعنا الحياتية.. دائماً ما نكون حريصين على لبس بعض الأقنعة..
ففي محيط العمل مثلا.. هناك بعض الأشخاص المهرة في تعددية الوجوه والأقنعة.. مما يؤثر بالطبع على أداء العمل وأسلوب الإدارة نتيجة التذبذب في الآراء والتوجهات وعمل حساب للمحسوبية والخواطر (وعلشان خاطر فلان.. وعلشان خاطر علان).. ولذا تهدر الفرص والطاقات بسبب غياب الكلمة المانعة والسياسة القاطعة.. غياب السياسة العقلانية في إدارة الأمور.. السياسة الواضحة والمعلنة ذات وجه واحد وليست وجوها متعددة.
افتقدنا الموقف المحدد والكلمة المانعة.. الكلمة الواضحة التي تعكس مصداقية ما نؤمن به من رؤى واتجاهات.. ولعل أجهزة الإعلام تكون قد ساهمت بشكل فعال في تربية هذه الازدواجية وعدم صراحة المشهد والتخاطب مع عقول المتلقين بمصداقية وشفافية.. فكثيرا ما عملت أجهزة الإعلام على تزييف الواقع وتركيب أقنعة ووجوه مزينة بألوان براقة زاهية.. لتعمل على إقناع الناس برأي ما.. أو للموافقة على قضية ما.. أو الالتفاف حول شخصية ما إلى حد التأليه.. ومع نمو العدد الهائل من القنوات الفضائية نجد بعض المتحدثين يطرحون آراء ما في برنامج ما.. وينفونها أو يخالفونها في برنامج أخر.
نعم، هناك بعض المواقف من الضروري الظهور فيها بمظهر لائق والتحلي بخلق الأدب والرقي وممارسة الدبلوماسية الاجتماعية.. ولكن ليس من الضروري أبداً اللجوء للتكلف والتصنع ومحاولة لبس الأقنعة.. ليس من الضروري محاولة رفض كينونتنا وطبيعتنا واللجوء لتزينها لإخفاء ما بنا من عيوب أو لمحاولة الحصول على القبول والفوز بالرضا والتأييد العام.. وقضاء المصالح بناء على ما لدينا من مهارة في التملق والمجاملة ولبس الأقنعة.. وتغييرها وفقاً لطبيعة الموقف وحالة الفاعلين فيه..
بطبيعة الحال.. قد تؤدي ظاهرة تعددية الأقنعة والوجوه إلى ضرب من ضروب الظلم وعدم العدالة في تحصيل الفرص والفوز بالمزايا.. فمن يجامل أكثر ويبدل أقنعته بمهارة أكبر.. يكتسب مزايا ومحسوبية أكثر.. ومن يفتقد لتلك المهارة يفتقد الكثير من الفرص.
المصداقية والتلقائية والشفافية.. سمات واقية وشافية لكثير من أمراضنا النفسية وأوجاعنا الحياتية.. فلبس الأقنعة أمر مرهق ومتعب.. ومهما تكلفنا وتصنعنا لا بد في النهاية الرجوع لطبيعتنا.. وذلك لعلمنا أن الأقنعة مصيرها يوما ما إلى زوال.. فلنحاول التعامل مع الحياة بتلقائية وشفافية ومصداقية في تعاملاتنا الحياتية.. ولنكن حريصين على تبني رؤية واضحة صادقة.. وحريصين على كسر كل أشكال الجليد.. التي تربي الأمراض الاجتماعية الصديدية.. وتزيد من صناعة الزيف وثقافة العبيد.. عبيد يحاولون التملق ومجاملة من يحقق له المصلحة.. ومن بيده الأمر فهو السيد.. فلقد خلقنا أحراراً.. عباد فقط لخالقنا الذي أوصانا بصدق القول والعمل واحترام الوعد والكلمة المانعة في كل موقف ومع كل حالة.
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
31/7/2011