أصغر كاتبة عربية .. أصغر إعلامية فلسطينية 

19سنة  الهوية فلسطينية الدم والهوى والملامح

 (ياسمين غسان شملاوي)  الكاتبة ياسمين شملاوي


 عذرية أحلام ...أم أعذار المجتمع
 زوج " على البركة"
 أم لستر فضحية أهل ووأد طفلة 
كل يوم تقذفها الذاكرة إلى براكين من الألم ، فتبتلعها أحداثُ


يوم غادرت فيه طفولتها مبكرا جداً ، وحملت على ظهرها أعباء الشرف
و العار الثقيلين
دون إدراك ، فغدت تناجي الماضي بالابتعاد
ولو قليلاً لتتذوق طعم الحياة ولو لمرة واحدة ..؟!،
ففجأة وعلى غفلة منها غدت تطاردها القسوة والألم
وانتُزعت الرحمة من قلوب من حولها ..
ودون وعي صرخت أحلام " لماذا ؟!"

تقول أحلام :" كان أول يوم لي بالمدرسة، ذهبت مستعدة
فرحه مرتدية "مريولي" الأزرق
كلي نشاط وحيوية أحمل حقيبتي على ظهري ..
أركض وأترابي نحو عالمنا الحالم الجديد،
وحين عدنا سارعت إلى وضع أحمالي من الكتب المدرسية
الجديدة للصف الأول الابتدائي قريبا من بوابة البيت ،
وذهبت للعب مع صديقاتي، وكان بالقرب من منزلنا مجموعة من الأحجار
مكدسة على شكل سور..
وكفارسة مستقبلية تسلقتها وتخيلتها جوادًا لي ،
فقذفني حصان الأحلام وكبوة نحو الأرض بقوة وهوى علي ما تبقى منه ،
وبدأ الألم يحرق جسدي وأمعائي وشعرت بالدماء الدافئة تتدفق من بين رجليَّ..
لا أعلم من أين تأتي .. تسمرت مكاني وخانتني الكلمات وخارت قدميَّ
وهي تعدو نحو البيت ..علَّ من يُسعفني ..ويضع لي مُطّهر الجروح الأحمر..
فيتوقف الألم ؟!!
هذا ما استطعت أن أجمعه من كلام أحلام ، وهي تبكي وتتنهد بقوة
وكأن كل ذكرياتها المؤلمة عادت لتتمثل لها على هيئة وحش يضربها بدون رحمة
" تتابع " وقفت لدقائق مندهشة من شدة الوجع ، ولم أعلم ماذا أفعل ..
صرت أتخبط بالجدران، وأبكي بصوت مرتفع وأصرخ وأشد على بطني
أنادي على أمي .. اركض نحوها .. ابحث عن الأمن والأمان  في ثنايا حضنها "
نار أحشائي ونار أمي
وكما العادة في ظل هذا الألم ، توجهت للمكان الوحيد الذي سيغمرها دفئا وحنانا ،
فتفاجأتْ بنزف آخر وألم أكبر..تضيف دامعة
" وقفت أمام أمي وأنا أصرخ من الألم أحاول الحصول على مساعدتها ،
وأشير لها إلى مكان ألمي ونزفي، فما أن رأتني حتى فقدت صوابها
وأخذت تقذفني تارة وتضربني أخرى بكل ما وصلت إليه يديها،
فظننت أني سأموت من الألم والخوف فأخذت أنادي عليها وأخبرها
بأني لا أريد أن أموت وأتوسلها بأن تتوقف ، فجرتني من شعري
وأخذتني إلى غرفة في بيتنا وأغلقت علي النوافذ والأبواب" "
زنزانة ووجع وأحلام
كلما حاولت جمع شتات كلماتها كانت تحرق قلبي بصوتها المبحوح ونبراتها الخافتة المكسورة،
وعَبراتها المنهالة على خديها،  وكأنما تلك الأيام التي قضتها داخل الغرفة
شريط يمر أمامها يعود بها للذاكرة .. بكل تفاصيله
" لقد كنت أبكي ليل نهار، لا تدخل أمي عندي إلا لتبدل لي ملابسي
وترمي لي بعض فتات من طعام وماء ..
وتنظر إلي بنظرة حقد واحتقار لم أعهدها من قبل ، وقلبي ينفطر
وأنا أتمنى أن تحضنني ، أن تقول لي لماذا تفعل كل ذلك..؟
ولكنها كانت تتركني وحيدة مرعوبة داخل الغرفة المظلمة ، لا أسمع من خلالها
إلا صدى لصوت والديًّ وهما يتشاجران صباح مساء ،
ويخبر كل منهما الآخر عن رغبته المجنونة بالخلاص مني""
لم تقم والدة أحلام حتى بعرضها على طبيب ،
لم يكن في بالها سوى أن تُخفي هذا الجرم العظيم قبل أن يعرف به الأقارب
والجيران وأهل القرية ..،
ولم تدرك أن التي أمامها طفلة في السادسة من عمرها،
تقول أحلام" بعد أن حرمني ولديّ من المدرسة ما يقارب العشرة أيام ،
وبعد سؤال المعلمات المتكرر عني، دخلت علي أمي وانهالت علي ضربا
وشتما وتوبيخا، فلم أعد أشعر حتى بجسدي ،
تاركة آثارها على جلدي، وقالت لي مهددة
بأني إذا أخبرت أحدا بما حصل معي ستقتلني وتدفنني بهذه الغرفة ..؟!
وانهارت الأحلام
جفل فؤادي ، واكفهر وجهي وأنا أتابع حديثها ،
وغربتها في منزلها، فلقد قام والداها بنبذها نهائيا عن الجميع،
وتوالت المصائب على العائلة فأصاب أحد إخوتها الصمم من أثر الحمى،
وبعدها بفترة توفي أخاها الكبير غرقا الذي كان آخر حصن تحتمي به
من ويلات الزمان
فلقد كان هذا الأخ هو الشاهد الوحيد معها على الحادثة ..
والوحيد الذي كان يتعاطف معها ويبت على كتفها عطفا وحنانا
وكطفل أضاع والديه في وسط المعركة ، أخذت تبكي وتشهق بشدة،
اقتربت منها أواسيها وأمسح دموعها، وهي تروي لي موقفا مزق
نبضها البريء
" في إحدى الأيام مرضت مرضا شديدا، فطلب الطبيب من والدي
إبقائي بالمشفى لحاجتي للقيام بعملية جراحية،
فوضعني والدي بالمشفى وتركني وحيدة ، وحين استعدت وعيي،
لم يكن معي أحد، فانهمرت دموعي وأخذت بالأنين بصوت خافت
وأنا أتطلع نحو باب الغرفة أوهم نفسي بأن أبي سيطل علي في كل لحظة"
وتتساءل أحلام "هل كان حقا والدي يتمنى أن يعود للمشفى فيسمع خبر موتي..؟!
فصول من الظلم لا تنتهي ؟
كنت أنتظر كما جميع الفتيات ، فارس أحلامي، رجلا يتفهم وضعي،
يعوضني عن مُرّ الأيام التي عشتها..
وأنا والحمد لله أمدني الله بوجه حسن، دفع العديد من الشباب
للتقدم لخطبتي،
لكن والدي كان يرفض كل من تقدم لي دون نقاش،
وحين جاءني من كان بالمواصفات المطلوبة ( على البركة ) ، وافق فورا..
فهو الرجل المنشود الذي سيمر عليه الأمر دون أن يسأل أو يتابع ،
وهو الذي سيقوم بستر الفضيحة
تقول أحلام:" وتم العرس، تزوجت بعمر كبير بالنسبة لبنات جيلي،
لقد كان إحساسي أثناء زفافي كأني أسير في جنازتي
وكان كل تفكيري منصب عما سأفعل بعد هذه الليلة..؟
ماذا إذا انتبه أو أدرك الأمر ماذا إذا سألني..؟
وهل يا ترى سأعود إلى بيتي بعد ساعة، أو ساعات؟
وكيف ستستقبلني أمي ...، كان لدي قرار جنوني..
سأقتل نفسي.. سأقتل عاري.. سأقتل نفسي...!؟!"
 
كل يوم مر على أحلام كان بمثابة عقاب آخر،
لطفولتها وللعبها مع صديقاتها، ودموعها التي ما زالت تترك أثرها
على وجنتيها إلى يومنا هذا، تقول أحلام
" وهكذا اعتادت روحي على دفن الحزن بضحكة ..
لا تتعدى الشفاه .. واعتاد قلبي على البكاء والاعتصار وحيدا ..
وأعيش اليوم مع أبنائي، أحاول إيجاد ما ضاع مني فيهم ..
أحاول أن أتناسى ..
وأن لا أدفع فاتورة جديدة مما تبقى من عمري
وشبابي وبراءتي وطفولتي
أحلام تناشد
وعلى عتبات منزلها وضعت أحلام وريقة صغيرة بيدي، كتبت عليها
"
أنا أتمنى أن أنشر قصتي لأقول كفى للعقول المتعصبة
التي ترهن حياة فتاة صغيرة بحادثة ما كانت بيدها
ولا كان لها بها حولا ولا قوة ..
وكلي أمل أن نحيا بمجتمع يعطي المظلوم
حقه بدلا من أن يدفنه بجروحه للأبد ..
أرجوكم لا تقتلوا بناتكم بجهلكم عيشوا معهم أحلامهم
ولا تقتلوهم بعادات ليس لها أصل في شريعة أو دين .."؟!
وللمختصين تعليق ورأي
وحين أردنا أن نعرض هذه القصة على ذوي الخبرة والاختصاص لإبداء الرأي،
وقع اختيارنا على الأستاذ الدكتور (محمد بشارات)
مدرب التنمية البشرية والإدارية والخبير
المختص في المشاكل الأسرية والعلاقات الاجتماعية ،
الذي أبدى استياءه الشديد من القصة
وقال" أحلام كما غيرها من الفتيات في مجتمعاتنا عاشت مع أسرة
غير مدركة بكيفية التعامل السلس والبسيط مع هذا الحادث العرضي
الذي كان من الممكن أن تتعرض له أي فتاة،
فكان يجب إرشاد الأهل إلى السلوك الايجابي والمناسب بكيفية التعاطي مع هذه الأمور،
وليس عن طريق الاستبداد، وكل هذه الحوادث حصلت نتيجة للجهل الديني،
والسلوكي وللعادات والتقاليد السيئة التي ما كرمت المرأة بها
وإنما اضطهدها واعتبرتها أداة مقموعة " .
وتابع" في قصة أحلام، اعتبر أنه تم وأدها ودفنها مرتين ، الأولى:
حين تم التعامل معها بقمع وإرهاب وتخويف، والثانية
هي زواجها من رجل غير سوي اجتماعيا ونفسيا من أجل التخلص منها
وكأنها جماد لا يملك أي إحساس أو يتألم،
وتسليط الضوء على قضية مثل أحلام واجب علينا،
فرب العالمين قال:" ولقد كرمنا بني آدم" فهل يأتي آدم بنفسه
ويهين هذا التكريم ويظلم ويؤلم فتاة لا ذنب لها
وبصرخة وجهها لأئمتنا وعلمائنا ومعلمينا وواعظينا
" يجب نشر الوعي الديني والثقافي من حيث التواصل والتفاهم
مع الأبناء بين جميع فئات شعبنا ،
ويجب علينا أن نكف عن الحديث عن الوضوء وان كان مهما
ولنتحدث عن سلوكيات المجتمع ولنكون أكثر قربا له،
فالعديد من العادات والتقاليد
التي لا يوجد لها أي أساس يجب أن يقوم العلماء والوعاظ
بنفيها فعليهم تقع مسؤولية توعية الناس ، كما على التربية والتعليم ،
ومؤسسات المرأة أن تأخذ هذه القضايا بهدف جعلها مصدر أمل
وإعادة الحياة لها وحمايتها، وليس فقط من أجل الدعاية".
ويضيف د0محمد" المجتمع لا يرحم مثل هؤلاء الفتيات
فالعديد من الناس تبحث عن مثل قضايا أحلام من أجل الفضيحة والكلام،
يجب أن تجد الفتيات من يتوجهون له فأحلام تكلمت لكن بعد أن وأدت مرتين ،
ويجب على المجتمع أن يعي حقوق المرأة
وأن يتعلم السلوكيات الاجتماعية السليمة في احترام المرأة ورعايتها
ولإخباريات صرخة
أحلام فتاة أخرى عاشت ضحية للتخلف الاجتماعي لدى الأهل
والمجتمع المحيط بها،
الذي جعلها تستقبل الحياة من خلف النوافذ المغلقة،
فذبلت أحلام ظلما وحزنا وشقاء ؟؟!، بعد أن سكنتها أشباح الشرف،
فهل فعلا كان شرف أحلام متوقف على ما فقدت ؟
وهل سيتسنى لها أن تعيش لحظة سعادة وحنان وأمن وأمان،
بعد ما عانت من تمادي جذور الظلمة في حياتها ؟
 
وإذا قُدّر لأحلام أن تروي روايتها فكم من عديد الفتيات من أمثال
( أمل ورجاء وحنان و إيمان )
 لا زلن ينتظرن من يسمع روايتهن..؟؟؟؟؟