العلم والعمل والزواج.. تعارض أم اتفاق؟
هدى محمد نبيه
جالسة في إحدى دورات التنمية البشرية، أنصت إلى المدرب في اهتمام، وكان يتحدث عن أهمية العمل، ومدى أهمية الإجادة في عملنا وليس مجرد العمل فقط، وتطرق الأمر إلى عمل المرأة وكيف يفتر إبداع المرأة بعد الزواج؟، ولماذا يبدأ قلمها وفكرها ومدادها في الجفاف البطيء بل في الاختفاء المفاجئ في أغلب الأحيان بعد أن تتحول من)آنسة (إلى (سيدة( ؟،
وهنا وقف أحد المتدربين، وقال: ما حاجة المرأة للعمل؟، يكفيها التعلم وتربية أطفالها، فدورها في منزلها وليس خارجه، ويرد عليه آخر: أنها تزاحمنا في ميادين العمل وتأخذ منا أرزاقنا، فهل يجلس الرجال في المنزل لرعاية الأطفال، وتخرج المرأة للعمل لتعول الأسرة؟، ولولا إنهاء المدرب للحوار والمناقشة لسمعنا الكثير و الكثير من الرجال ممن يعارضون عمل المرأة، وخروجها من المنزل إما بحثا عن تحقيق ذاتها أو بحثا عن ما تعيل به أسرتها إذا كان راتب زوجها لا يكفى لإعاشة الأسرة بأكملها.
فهل تعليم المرأة وعملها يعطلها عن الزواج؟، وهل هناك استحالة في توفيق المرأة بين عملها وأسرتها؟، مع المحافظة على إبداعها في مجال عملها، قرار صعب يوضع أمام المرأة حين تودع دورها كابنة في الأسرة وتتحول إلى سيدة تتحمل عبء أسرة أخرى، طموح النجاح وتحقيق الذات في العمل أم الأسرة؟ الأطفال أم تحقيق الأهداف الشخصية؟ أسئلة تطرحها على نفسها كل امرأة قررت مع شريك حياتها التوفيق بين الأسرة والمشوار المهني، قرار ليس بالسهل اتخاذه؟
العلم والعمل في أصليهما لم يوضعا لضرر أو فساد بل لأجل عمارة الأرض، فلا نستطيع أن ننكر على أحد سعيه لطلب العلم أو العمل سواء كان ذكرا أم أنثى، فالعلم عبادة، والعمل عبادة، والزواج أيضا عبادة، فلا يمكن أن تكون أيا من تلك العبادات سببا في تعطيل الأخرى أو استحالتها، فمن غير المعقول أن يكون العلم أو العمل في ذاته سببا في تعطيل الزواج؛ فالمرأة قادرة على الزواج مع التعلم والعمل، بل امرأة متعلمة أفضل للزواج من جاهلة، وعاملة أفضل من خاملة، والواقع يؤكد هذا، كما أن الشريعة الإسلامية كقاعدة عامة لا تمنع أحد من العمل والتكسب، لكنها تضع الحدود والضوابط التي تلائم الشخص، وتفيد المجتمع وأفراده، فالمرأة منذ صدر الإسلام لم تتخلف عن العطاء والجهاد والتضحية في أي مرحلة من مراحله. لم يكن أبدا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعضاء منكمشات محبوسات في بيوتهن، بل كن نموذجا متكاملا ومكتملا للدور الحقيقي الذي يجب أن تتبوأه المرأة، فالمرأة نافست الرجال فسبقتهم، كان أول المؤمنين منها، وأول الشهداء منها، وأول من رد عمر بن الخطاب إلى الصواب منها، ولم تتخلف حتى عن الخروج لمواجهة الطغاة والمتجبرين في صدر الإسلام، ومن أمثلتهم الحجاج بن يوسف الذي انهزم أمام جيش من الثوار قادته امرأة تدعى غزالة، وبذلك تبطل مقولة: أن تعليم المرأة وعملها يعطل من الزواج.
تتحير الكثير من الفتيات خاصة من هن في مرحلة التعليم بين أمرين: هل أستكمل دراستي أم اتخذ قرار الزواج؟، وتكون الحيرة شديدة خاصة إن كان من بين الشروط الأساسية للزوج هو انقطاع زوجته عن الدراسة، وهنا تجد الفتاة نفسها مضطرة لتقبل الفكرة بناء على نوعية الزوج الذي قد تضحي من أجله بكل شيء؟ ناهيك عن أن فكرة اختيار الزوج المناسب يتحكم فيها المستوى المعرفي والمادي للفتاة، كما أن الأسرة هنا تكون من عوامل الضغط إن لم تكن عامل فرض على الفتاة، تحاول إقناعها بضرورة الزواج وترك الدراسة معللين أن الفتاة مكانها هو بيت زوجها، بصرف النظر عن كون هذا الزوج أكبر منها سنا بكثير أو جاهل وأقل منها في المستوى العلمي، ويكون الأغلب الأعم هنا أنه زوج ثري يستطيع أن ينقل الأسرة كلها إلى مستوى مادي أكثر رقيا، وتكون الفتاة هنا هي كبش الفداء، وتفيق الفتاة بعد الزواج وتعرف الحقيقة المرة أنها ألقت بنفسها في عالم لا تريده ومع زوج غير مناسب، والآن ليس أمامها إلا الصبر والعبرات تواسيها على أحلامها التي ذهبت أدراج الرياح.
وهناك من تبدأ حياتها الزوجية وهى تعمل، وبمجرد دخولها إلى القفص الذهبي يكون أول طلب للزوج أن أتركي العمل فبيتك أهم من أي شيء، فهل يحق للزوج في هذه الحالة أن يمحو كل الجهد الذي بذلته المرأة في دراستها وأن تتجاهل كل تلك النجاحات التي حققتها في مجال عملها، فالكثير من الأزواج يحددون مواقفهم على ضوء رغباتهم الذاتية فقط، دون النظر إلى ما عداها من أمور، ويطلبون أن تكون زوجاتهم لهم بالمطلق، حتى في الحالات التي لا يحتاجونها بشكل خاص كأزواج، أو كحال من يفرضون على زوجاتهم أن يبقين خارج العمل الاجتماعي أو السياسي من موقع العقدة الذاتية الخاصة من ذاك العمل.
لكن هناك بعض الحالات التي قد تطرأ على حياة الزوجين والتي تجعل من المرأة هنا بين خيارين إما أن تخسر بيتها أو تخسر عملها؟، في هذه الحالة لا مجال هنا للعناد والمكابرة من المرأة، فإذا كان تأثير العمل على حياة المرأة الأسرية بالسلب فعليها أن تتخلى عنه، فعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم, والعبد راع على مال سيده، وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته"، ذلك أن المرأة راعية لبيتها ولأولادها، وإن كان عملها خارج بيتها فيه مضيعة للأولاد، وتقصير لحق الزوج, فيحرم بذلك خروجها للعمل الذي سيؤدى إلى نتائج سلبية تكون سببا في هدم أسرة بأكملها.
أخيرا فإن موضوع عمل المرأة، هو موضوع لن ينتهي الحديث فيه وسيظل قائما إلى الأبد، لكن على الزوج أن لا يعتبر زوجته ملكاً شخصياً له، كما لو كانت قطعة من الأثاث، بل عليه أن ينظر إليها كإنسانة، لها عليه حقوق كما عليها من واجبات مثله تماما، ولذلك فإن على الرجل معاملة زوجته، بما يحب أن تعامله به في ما لو كانت تملك السلطة والحق في منعه عن أداء مسؤولياته السياسية أو الثقافية أو الدينية أو العملية، وعليه أن يسأل نفسه، هل يكون مرتاحاً إذا ما استعملت هذا الحق ضده؟
إن على الرجل احترام زوجته كإنسان، شخصيةً وطريقة حياة، كما يريد لزوجته أن تحترم إنسانيته في ذلك، وعليه أن لا يحكم القانون الجامد في علاقته بها، فإن الله وضع قانوناً يحدد حق الزوج على الزوجة، وحق الزوجة على الزوج، لكنه أراد للزوجين استعمال حقوقهما التفصيلية بمرونة، تحت العنوان العام الذي وضعه لحقوقهما كزوجين وهو: المودة والرحمة