سامحني يا زوجي العزير
هدى محمد نبيه
سامحني يا زوجي العزيز، أثقلت عليك كثيراً طوال رحلة حياتنا الشاقة، تحملت الكثير والكثير من أجلي ومن أجل أولادنا، لم تحتج يوما على كثرة متطلبات البيت والأولاد، ولا أخفيك سراً بأنني في فترة من فترات حياتنا شعرت بأنني غير قادرة على التحمل، شعرت بثورة في داخلي وتمرد وملل وضجر، تمنيت الهروب بعيداً، فلا يوجد زوج ولا أولاد، فالمسؤوليات كثيرة والحمل ثقيل، فالزوج عصبي متقلب المزاج، والأبناء تزداد مشاكلهم صعوبة كلما كبروا، والإرهاق الذي ينتابني بسبب مسؤولياتي عن كل صغيرة وكبيرة في البيت بينما أنتَ تتعامل مع البيت كأنه لوكاندة، وما إن أقرر المضي بضع خطوات خارج البيت حتى أشعر بالاشتياق لك يا زوجي وأتذكر كم تتحمل أنت أيضا من أجلنا، كيف تكد وتتعب طوال اليوم من أجل أن توفر لنا الحياة الكريمة، فأتذكر حبك وحنانك وكرمك ودفء مشاعرك، وأرى أبناءنا مثاليين بالنسبة لغيرهم من أبناء هذا الجيل، فحمداً لله الذي رزقني زوجاً مثلك وأبناء كأبنائنا، فأهلاً بالتعب إذا كان سيشعرني بتلك السعادة التي أتمتع بها كلما نظرت لأسرتي الحبيبة .
هل تتذكر يوم داهمتني الظنون وأحاطت بي واعتقدت أنك تخونني، وعلى الرغم من رفضي وعدم تصديقي لذلك، إلا أنني أعطيت أذني لأهل الإفك الذين كانوا مصرين على تدمير حياتي وأسرتي الجميلة المستقرة، فما كان مني إلا أن استعنت بالله ودعوته أن يفرج كربي ويهديني ويهدي زوجي، وتوجهت أليكَ وفاتحتك في الأمر، فما كان منك إلا أن نفيت كل الظنون التي كانت في رأسي وعلمت كم كنت مخطئة حينما استمعت لمن كان هدفهم الرئيس أن أتمرد على حياتي، ثم أكره زوجي، ثم أطلب الطلاق، فأسفت على الأيام التي عشت فيها هذا الصراع النفسي، وأغلقت بابي عن كل من يحاول هدم أسرتي وسعادتي .
في يوم من الأيام بينما أقوم بعملية التنظيف المعتادة للمنزل، وعندما أخذت مُلمع الزجاج لكي أقوم بتلميع المرآة، فإذا بي ألاحظ الشعيرات البيضاء التي تناثرت هنا وهناك معلنة تقدمي في العمر، فالأعوام أصبحت تمر وكأنها شهور، ولا أخفي عليك أنه انتابتني الكآبة والحزن، واسترجعت سنوات عمري الماضية وشعرت بالأسى لحالي وما فعلته السنين بوجهي، وأخذت أصب اللوم على رأسك وأعاتبك وأتهمك بأنك أضعت شبابي، وبأنك تدين لي بكل نجاح حققته في حياتك، وفي ثورة غضبي التقت عينانا وترقرقت عيني بالدموع، فأخبرتني كم أنا رائعة والدموع في عيني، وضممتني إلى صدرك وأخبرتني بمدى جمالي وأنوثتي، وبأنني في عينيك أجمل امرأة في العالم، وكلما مرت السنين زدتُ في نظرك حيوية وجمالا، فما أجمل أن يكبر الإنسان مع شريك حياته، ونظرت مرة أخرى للمرآة فإذا بي أرى نفسي أجمل من ذي قبل فشكرا لك يا زوجي على تفهمك وحبك .
أصبح القلق يهددني في أيام كثيرة فيغيب النوم عني، فلم أعد أنام إلا قبل الفجر بقليل، ورغم سماعي لصوت الأذان إلا أنني لم أنهض للصلاة، فالشيطان أخذ يوسوس في أذني أنه لو قمت لاستيقظ زوجي من نومه، وبعد عدة دقائق إذا بزوجي يهزني برفق ويدعوني للصلاة، فنهضنا وتوضأنا وصلينا وحمدت الله على وجودك بقربي تحميني من نفسي ومن وساوس الشيطان .
تزوج الأبناء وأصبح البيت خاليا، إلا في أيام قليلة يأتون فيها لزيارتنا مع أبنائهم، فنقضي معا سويعات يملؤها البهجة والسرور، على الرغم من الألم الذي كان يصيب رأسينا من الصوت العالي الذي يصدره الأطفال.
تراكمت علينا أمراض الشيخوخة من ضغط وقلب وسكر وروماتيزم، واعتدنا على أن يذكر أحدنا الآخر بمواعيد الدواء، وأصبحت تلازمني طيلة الوقت، نذهب معا للتسوق ثم تقف معي في المطبخ لتعاونني، ثم نستمتع سويا بالاستماع إلى الراديو في وقت الغروب، لكن الأيام الجميلة تمضي سريعا، فلم يتبق لي الآن إلا هذه الصور وتلك الذكريات، رحلت يا رفيق عمري، وخلا البيت منك فشعرت بالحزن الشديد، فكيف سأواجه الحياة وحدي، فلم تعد هناك الذراع التي أتوكأ عليها، ولكن كل قطار لابد أن يصل إلى محطته الأخيرة ليفرغ ركابه، لم يخلد أحد، ولكن الوحدة صعبة جداً، والآن أتذكر كل حسناتك نحوي وأتذكر كل إساءتي نحوك، لكم أغضبتك كثيراً، لكم أحزنت صدرك وأوجعت قلبك، ولكم أتمنى أن يعود الزمن بي لأقول لك سامحني يا زوجي العزيز.
**************************
منقول من موقع رسالة الإسلام
.........................................................................................