كان يا ما كان .. وما آل إليه الحال الآن..

شاهدت إعلان ساخر.. يعرض لبعض المهازل.. عن تغير صورة العلاقة بين المرأة والرجل بين الماضي والحاضر.. ففي الماضي كان لا يتوقع أن تتفوه المرأة سوى بكلمة حاضر.. حاضر لكل الأوامر والطلبات التى تلقى عليها.. دون تذمر أو اعتراض وتقوم  بما يطلب منها عن طيب خاطر. بشوشة الوجه هادئة الصوت لطيفة الطبع حسنة التعامل في معظم المجالس والمحاضر.. محتوية لموجات الغضب والتعصب التى تنتاب رفيق حياتها في بعض أو معظم الأحيان.. وتكرس كل وقتها للرعاية زوجها وعيالها.. ولا وقت لديها للتفكير في حالها وما جنيته من مكاسب أو مناصب..

وطبعا هذه صورة المرأة في الماضي.. التى جسدها الكاتب الكبير نجيب محفوظ في ثلاثيته.. "الست أمينه" التي تخشى أن تتفوة بكلمة أمام "سي السيد".. فهو الآمر الناهي.. صاحب السلطة العليا في تدبير شئون منزله ورعاية أسرته.. شاربه يقف عليه الصقر.. وهيبته لا تهتز.. في حضوره يسود الاحترام ولا يسمح بتجاوز الحدود.. حيث هناك الكثير من المنوع والسدود.. ولكن طبعا هذا النموذج لا نعتبره هو النموذج المعمم.. إلا أنه كان من النماذج السائدة خلال بعض العقود.. أيام زمان.. وكان يا ما كان.

أما ما آل إليه الحال الآن.. في ظل عصر العولمة.. وتزايد اهتمام المنظمات الدولية والمجتمع بقضايا المرأة.. وتشجيع مشاركتها في عملية التنمية بجميع مجالاتها ونواحيها.. ونمو وانتشار الدعوة بالمساواة بين المرأة والرجل.. فلقد ساعدت العولمة على إذابة كثير من المنوع والسدود إلى كانت قائمة "أيام زمان".. سدود وأسوار صلبة ومنيعة تشوب جميع أنواع العلاقات الإنسانية.. سواء بين الدول أو بين الأفراد. وتغيرت صورة العلاقة بين المرأة والرجل.. وخاصة العلاقة بين الزوج والزوجة..

فلقد اكتسبت المرأة الكثير من الاستقلالية والثقة والجرأة في التعبير عن ذاتها واحتياجاتها.. بعد أن كانت مفتقدة القدرة على التفوه بكلمة سوى كلمة حاضر.. لم تعد مكترسة بتحقيق الرضا الكامل لزوجها بالقيام بكافة احتياجاته ومتطلباته.. بل أصبح الزوج هو الحريص على اكتساب رضا زوجته.. بل ويتوجب عليه قول كلمة حاضر لكل متطلبات زوجته.. وإذا قال لا لبعضها فهو المناضل.. كذلك اكتسبت الزوجة المزيد من الحرية والمزيد من السلطة في تدبير شئون منزلها.. وتسير أحوال أسرتها.. وفي كثير من الأحوال تحاول إثبات أن رأيها هو الرأي السديد الراجح.

وبالتأكيد لا يمكن أن ننكر أن هذه الصورة هي الصورة التى أصبحت منتشرة في أغلب النماذج.. ولكن لا يمكننا أن نجزم أنها صورة معمة في جميع النماذج.. فبالتأكيد أيضاً أن هناك صور من النماذج المعتدلة التى تساند فيها المرأة الرجل.. والرجل يدعم ويساند المرأة دون نزاع أو صراع.. اللهم إلا في بعض العوارض..

إلا أنه يبدوا أن الصراع في وقتنا المعاصر قد اجتاح كافة العلاقات الاجتماعية.. حتى العلاقة بين الزوج وزوجته.. وخاصة حديثي الزواج.. والدليل على تزايد الصراع في العلاقات بين الرجل والمرأة.. هو تزايد حالات الطلاق والانفصال.. وذلك نظراً لأن المرأة لم تعد تقدم الكثير من التنازلات من أجل الاستمرار في حياتها الزوجية.. كما كان يحدث أيام زمان.. بل أصبحت كرامتها واحترام كيانها يأتيا أولا.. وهناك دليل أخر على تزايد الصراع بين الرجل والمرأة يتمثل في تزايد حالات العنوسة.. وذلك خشية أن تقع في فخ الاستعباد الذي ارتسم صورته في ذهنها من أيام زمان.. فالمرأة الآن كالعبد الذي اكتسب حريته و لا يريد العودة إلي العبودية بأي صورة من الصور أو أي شكل من الأشكال. وهو ما قد يكون سبب من بين عدة أسباب لانتشار مشكلة العنوسة.. خاصة في وقتنا الحاضر.

والسؤال الآن.. هل المرأة المعاصرة سعيدة؟.. أم أنها أصبحت حائرة بين ما اكتسبته من حرية وما حققته من مكاسب ومناصب.. وبين ما عليها من مسئوليات ووجبات.. كأمرأة يجب عليها الحفاظ على أناقتها وأنوثتها ومواكبتها للتيارات العصرية.. وكزوجة وأم يجب عليها مرعاة شئون أسرتها.. وكأنسانة يجب عليها أن تقاتل وتناضل لتحقيق ذاتها والعيش في حياة كريمة دون نهر أو قهر..

وهكذا نرى أن الأدوار التى يجب على المرأة المعاصرة القيام بها قد تعددت وتنوعت في وقتنا الحاضر.. وهي بذلك تواجه الكثير من التحديات للقيام بكل أدوارها على نحو متكافئ.

د. نهلة أحمد درويش

دكتوراة في الآداب علم الاجتماع

10/9/2010