خٌلقت أنثى... يالا سعادتي أم يالا تعاستي!!..

حلقت عبر الأزمنة وطرت.. ورأيت ما رأيت.. من خلال البساط السحري عبرت فوق مدن وقرى وبيوت.. وهي هي القصص الخاصة بالبنت.. فهناك بعض البقاع من تتلقى خبر البشرى بالمولود الأنثى بنوع من القبول وأحياناً تصل درجة الفرحة الى دق الطبول. وهناك بقاع أخرى كثيفة النسمات البشرية تتلقى خبر المولودة البنت كالصاعقة وكأنها الطامة الكبرى.. ففي بعض الثقافات هناك من يتواري خجلاً وخزياً من عار أن خلفته "بنات".. ويظل يحول ويجوب ليتزوج بأخرى.. بل ويمكن بأخريات ويصبح هاوي تعدد الزوجات.. حتى يرزق بالولد.. الذي سيخلد ذكراه في البلد.. نسي أو تناسى  ان البنت أو الأنثى هي من ستكبر ومن سترعى وتربي.. من ستلد بنت أو ولد..
حتى في ظل تطورات العالم في القرن الواحد والعشرين.. لا تزال المفاهيم والتصورات الخاصة بالبنت تتوارث وتسري في المجتمع.. تمثل ضغوطا قامعة قاتلة على نفسية البنت.. وتختلف درجة صرامة هذه الضغوط أو القيود الاجتماعية من ثقافة لأخرى ومن فئة اجتماعية لأخرى..
ففي المجتمعات الشرقية على وجه الخصوص تربى البنت منذ طفولتها وكأنها كائن أقل شأناً وقيمة من الذكر.. تحرم من التمتع بالكثير من الحريات والحقوق التي تمنح للذكر.. فقد تمنع من التعليم وفرصة الانفتاح والتنوير إذا ما قرر رب الأسرة (في بعض الفئات وخاصة في الريف والبدو والصعيد) ذلك.. لتقوم الفتاة بالمساعدة في أعمال المنزل.. أو العمل لكسب المال.. أو ليتم تزويجها (راضية أم آبية) حتى ترتاح الأسرة من حمل همها (كبنت).. أو ربما ليكتسب الأب بعض المال من زواجها الذي يراه كنوع من الصفقة المحققة له بعض الربح.
نأتي هنا إلى مشكلة التجارة بالنساء أما من خلال تزويجهن لتحقيق صفقات رابحة.. أو من خلال التجارة التي يديرها أشخاص معينين وتقوم على أسس معينة من التعاملات.. وأحياناً قد يصل الأمر إلى تكوين شبكة دولية.. أو ذلك النوع من التجارة التي تمتهنه المرأة كمصدر لكسب المال وإعالة نفسها وأسرتها.. وبالرغم من نظرات المجتمع التي تدين وتجرم مثل هذه الأنواع والأشكال من التجارة وتضع فاعليها في مكانة المجرمين المنبوذين والخارجين عن الأخلاقيات الاجتماعية.. إلا أن المجتمع قد يكون عاملاً مساعداً لظهور ونمو مثل هذه التجارة.. وذلك بسبب إهمال معالجة ظاهرة الفقر والجهل في المجتمع.. مما يضطر البعض من النساء للجؤ إلى هذه الوسيلة لكسب العيش في بعض الحالات.. ومن المفارقة أننا نجد أفراد بل وجماعات ممن يشجع ويستمتع بتلقي خدمات هذه التجارة.. وانتشار الملاهي ومحال الرقص تدل على أنه يوجد طلب على هذا النوع من التجارة.. وعلى الرغم من نظرة المجتمع (ضمن بعض الثقافات) التي تلصق العار على الراقصات.. إلا أنه في بعض المواقف يتم التعامل مع المشاهير من الراقصات بشكل يحمل القبول الضمني من المجتمع.. ويعكس هذا وجهة من التناقضات الاجتماعية..
شكل أخر من الضغط والقهر الذي تتعرض له المرأة في المجتمع.. وهي مشكلة هجرة الزوج أو عائل الأسرة.. سواء بسبب عمله بالخارج أو بسبب زواجه بأخرى.. وفي كلا الحالتين تضطر المرأة لتخطى الصدمة وحمل المسئولية لإعالة الأسرة والقيام بتربية الأبناء.. والكثير من الظلم المجتمعي يقع على مثل هذه الحالات.. فالمرأة المطلقة تلاحق بنظرات اللوم والعار أينما ذهبت.. والمرأة المعيلة القائمة على تربية أبناؤها أحياناً ما يخرق أذنيها تعليق على تربية أبناءها "دول تربية واحدة ست".. وكأن المجتمع لا يدرك الأدوار التي تقوم بها المرأة، كأم لأبنائها في المنزل وكمدرسة للأطفال ومربية أجيال.. وكراعية لأنشطة اجتماعية عديدة.
وتقوم المرأة كذلك بدور هام ومؤثر في تشكيل العلاقات الأسرية.. فهي الركيزة الأساسية لإقامة مؤسسة الأسرة وتدبير مختلف شئونها.. وهي الشريكة التي تشارك زوجها في مشوار الحياة.. وهي الأخت الكبرى التي تضطر أحياناً لاحتضان الأسرة ورعاية والديها وأخواتها.. وهي الابنة التي تفترش قلب والدها كأميرة متوجة.. وهي الحبيبة التي يكتب فيها الشعر والأغاني لوصف جمالها ورقتها واستحالة الحياة بدونها.. فكم من أغنية كتبت وكم من بيوت شعر سطرت لتصف مشاعر الحب ومتاعب القلب إذا ما حرم الحبيب من رؤية حبيبته.. فهي تعتبر رمز للجمال.. حتى وإن كان ذلك من تصورات الخيال..
ولكن إلى جانب هذا الدور الإيجابي الذي تلعبه المرأة في تشكيل العلاقات الأسرية.. فهي تشارك أيضا بدور سلبي في هذا المضمار.. بكونها سبباً في إنماء مشاعر العداء في قلوب أبناءها إذا ما حدث انفصال بينها وبين شريك حياتها.. وحتى إذا لم يحدث.. فهي تتعمد في كثير من الأحيان خلق مشاعر البعد والجفاء وإقامة حواجز جليدية حيال أسرة الزوج وأقاربه.. وتشهد محكمة الأسرة الكثير من حالات الطلاق الناتجة عن هذه الأسباب.. ناهيك عن صراعات حضانة الأطفال ورؤيتهم وتخوين الطرف الأخر في أمر حمايتهم..
والحقيقة أن المجتمع كما يشارك في صناعة ثقافة القهر للمرأة.. بدءً من كره الرزق بالبنت، وتغذية عقلها بكونها كائن أدني حقوقية أثناء تربيتها، والتحكم في تقرير مصيرها، إبداء الولد بحق التعليم والنصيب الأكبر من التكلفة المادية لتلبية احتياجاته الأساسية والثانوية.. وغير ذلك من الصور التي ساهم الفكر السائد في المجتمع في صناعتها.. الضغوط التي تحول المرأة إلى كائن بشري تعيس يقوم بتأدية مهامه الحياتية مثل الإنسان الآلي فاقد الإحساس والشعور.. ومن تمتلكه التعاسة يفتقد القدرة على العطاء بحب والتراحم بود..
فهو يشارك أيضاً في إنما وتضخيم ثقافة الأنا الذكورية.. ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى مفاهيم التربية والتنشئة الاجتماعية.. التي تعظم وتضخم من قيمة الرجل.. وتخسف بقيمة المرأة لأدني الدرجات.. فمن المفترض أن تؤسس عملية التنشئة الاجتماعية على قيم الديمقراطية الداعمة لاحترام الذات الإنسانية.. والتي تؤهل للمشاركة في تحمل المسئولية في العملية التنموية.. وتعتبر الأسرة النواة الاجتماعية الصغرى المصنعة للأيدي والعقول المشاركة في العملية التنموية. والمرأة لها دور مشارك ومؤثر في هذه العملية الصناعية.. ولكن للأسف قد تشارك المرأة أيضا بدور سلبي في العملية الصناعية للتنشئة من خلال تطبيق مفاهيم التفرقة العنصرية بين الولد والبنت.. فكثيرا ما نجد أن الأم تنحاز أكثر لمناصرة الولد.. ويعكس هذا نوع آخر من التناقضات الاجتماعية.. فالبنت التي عانت من بعض أشكال الظلم والقهر أثناء مراحل حياتها المبكرة.. تمارس نفس الأسلوب وتطبق سياسة عدم الإنصاف في التربية عندما تكبر وتصبح أماً.
لا يدعو هذا المقال إلى المساواة الندية.. بل يدعو إلى تبنى الديمقراطية في تنظيم الواجبات والحقوق للذكر والأنثى، فكل منهما له مسئوليته ودوره في تعمير الأرض.. فلقد سعت كاتبة المقال إلى تشريح وتحليل بعض نماذج العلاقات الاجتماعية المتواجدة في المجتمع.. ومن المؤكد أنها نماذج لا تصل إلى درجة التعميم، ولكنها بطبيعة الحال تعكس بعض أمراض ومشاكل بالمجتمع مؤرقة لحياة أفراده. ولعل الموضوع حيوي ويجسد جانب كبير من واقعنا المعاش.. ويحتاج للمزيد من اهتمام المفكرين.. والمزيد من اهتمام أجهزة الإعلام لإعادة صياغة المفاهيم الخاصة بتنشئة البنت والولد، المفاهيم الخاصة بتثقيف المرأة ومشاركتها في الأنشطة المختلفة، المفاهيم الخاصة بالذكورة حتى يكون راعي يساند وينمي فكر ودور المرأة في الحياة الاجتماعية.
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراه في الآداب - علم الاجتماع
3/9/2011