ذهبت إلى عملي صباحا كما المعتاد، ولكنني حين دخلت إلى غرفة المعلمين تعالى الهمس من حولي، ووجدت النظرات تتجه إليَّ، فتساءلت: ماذا هناك؟! ردت إحدى المدرسات: لماذا قدمت شكوى ضد المدير في الإدارة التعليمية بالاشتراك مع مجموعة من المدرسين؟
تعجبت لهذا القول لعدم علمي بما يتحدثون عنه، وثارت ثائرة من تم ذكر أسمائهم والذين دبروا لتلك المؤامرة، والتي تهدف إلى الإطاحة بمدير المدرسة، غير أنني توجهت بكل بساطة إلى المدير دون انفعال لأستفهم منه عن سر الشكوى المزعومة، إلا أنه أبدى تعجبه وعدم معرفته بالموضوع، وطلبت منه فض هذا الاشتباك الدائر في حجرة المدرسين، والذي كان ناتجا عن أكذوبة أو إشاعة لا أساس لها من الصحة.
وبالفعل عم الهدوء المكان بعد أن تم تكذيب هذا الخبر، ولكن بعد أن أعمى الغضب الكثير من الزملاء والزميلات وتعالت الاتهامات، فأصاب الغضب ما أصاب، وجرح من جرح، وترك ندوبا عميقة في العلاقة بين الزملاء.
متيقنة أنكم تعرفون الكثير من القصص المشابهة التي أدت إلى لحظات من ثورة الغضب فيها إلى نتائج غير محمودة ربما يندم عليها صاحبها طوال العمر.
أسباب الغضب
والغضب هو حالة شعورية تبدأ من الإثارة الخفيفة حتى الاهتياج الشديد، الذي يُعمي البصر والبصيرة، قد يكون الغضب متجها نحو شخص ما "رئيسك في العمل، زميلك، قريب لك.." أو نحو حدَث ما "زحام مرور السير، رحلة طيران مُلغاة.." أو بسبب قلقك حول مشكلة شخصية أو بسبب ذكرى مؤلمة.
والغضب لا يفرز إلا الضغينة والحقد، وهو نار تحرق العقل، وتسحق البدن وتصيبه بأمراض لا حصر لها.
ومن أسباب الغضب إحساس الفرد بأنه مهدد بالخطر، ولا نقصد هنا الخطر الجسدي فحسب، بل يكون في معظم الحالات تهديد رمزي لاحترام النفس وكرامتها، كأن يعامل الواحد منا بوقاحة أو ظلم أو استخفاف أو إهانة أو يحبط لأنه لم يحقق هدفا مهما.
وكذلك من أسبابه الحرص على الدنيا، فتجد الشخص يغضب من غيره حينما ينافِسُه في دنياه، ويرى أنه يشاركه في رزقِه، ألا يعلم هذا أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقَها وأجلها، وأن الرزق لا يَجلبُه حِرص حريص ولا يرده كراهية كاره.
وصفة نبوية
التحكم في انفعال الغضب والسيطرة على النفس من الأمور بالغة الأهمية، ولكي ينجح الإنسان في حياته، ويستطيع أن يتوافق مع نماذج البشر على اختلاف طباعها وأخلاقها، ولكي يتفادى كثرة التصادم والاحتكاك، والذي يحصد بسببه خصومات وعداوات كثيرة.
ربما أجد الآن من يسألني: كيف لي أن أتخلص من هذه الظاهرة والعادة السيئة؟ كيف أتخلص من الغضب؟ لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم علاجًا لهذا المرض، واسمع الوصفة النبوية لعلاج الغضب:
1- الاستعاذة بالله من الشيطان:
وهذا سليمان بن صُرَدٍ رضي الله عنه يقول: كنتُ جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورجلان يَسْتَبَّانِ، وأحدهما قد احْمَرَّ وَجْهُهُ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ (هي ما أحاط بالعُنق من العروق التي يقطعها الذابح)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأَعْلَمُ كلمةً لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال أعُوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهبَ عَنه ما يَجِدُ". (متفق عليه).
2- السكوت:
فلا تدع لسانك حرا طليقا، احرص أن تلجمه عند الغضب، لأن الإنسان إذا تكلم وهو غضبان، فإنه سوف يسب ويشتم، وربَّما يكفر بالله تعالى، لذلك أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالسكوت، فعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا، ولا تُعَسِّرُوا، وإذا غَضِبَ أحدُكم، فَلْيَسْكُتْ". (رواه أحمد).
3- تغيير الهيئة:
فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "إذا غَضِبَ أحدُكم وهو قائمٌ، فليجْلِسْ، فإنْ ذَهَبَ عنه الغضبُ، وإلاَّ فَلْيضطجِعْ". (رواه أبو داود).
4- الوضوء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الغضبَ من الشيطان، وإنَّ الشيطان خُلِقَ من النارِ، وإنما تُطْفَأُ النارُ بالماء، فإذا غَضِبَ أحدُكم، فَلْيَتَوَضأْ". (رواه أبو داود).
5- كظمَ الغيظ مَهرُ الحور:
فعن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كَظَمَ غَيظًا وهو قادرٌ على أنْ يُنْفِذَه، دَعَاهُ اللهُ على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخَيِّرَه من الحُور العين ما شاءَ". (رواه أَبو داود).
6- الاعتذار والتسامح:
ربما يسبقك غضبك في مرة من المرات، فلا تدع الأمر يمر مرور الكرام، فلا ترض بأن يهزمك الغضب أو يوقعك في أسره، بل اعتذر لمن غضبت عليه.
7- اكتب مشاعرك:
إذا غضبت اكتب أسباب غضبك، فإذا اتبعت هذه الطريقة، فإنها ستخفف كثيرا من حدة الغضب، فكتابة المشاعر تساعدنا على تفهم مشكلاتنا، ومن ثم السيطرة عليها بشكل أفضل.